يرتبط تأخير إطلاق عملية تحرير الرقة من تنظيم الدولة بانتظار تفكيك الاشتباكات غير المعلنة في مصالح الدول الراغبة في حسم معركة الرقة عبر القوات المشاركة التي تدعمها، ففي حين تميل أمريكا لحسم العملية عبر قوات سورية الديمقراطية التي تدعمها بشكل كبير يميل الجانب الروسي لإحداث نوع من التوازن معها من خلال مشاركة الجيش الحر المدعوم من تركيا في العملية.
من هنا يمكن فهم أسباب التقدم البطيء لقوات سورية الديمقراطية باتجاه الرقة فهي لا تستطيع خوض المعركة منفردة وبدون غطاء ودعم خارجي، لكنها استفادت من فترة الهدوء النسبي قبل انطلاق المعركة وعملت على تحسين وضعها الميداني والاقتراب أكثر من تخوم الرقة.
ما يشير لقرب انطلاق معركة الرقة هو اتجاه معركة الباب نحو الحسم لصالح تركيا كما يبدو ذلك من خلال تحركاتها العسكرية القوية مؤخراً باتجاه الباب، وليس من مناص أمام تركيا بعد الانتهاء من معركة الباب سوى التحرك باتجاه الرقة.
تريد قوات سورية الديمقراطية من خلال معركة الرقة تعزيز نفوذها في السيطرة على الشمال والشمال الشرقي من البلاد مما يتيح لها الفرصة لتكون مفاوضاً أساسياً ضمن أي حل سياسي قادم، وفي المقابل فإن ذلك تماماً هو ما تخشاه أنقرة باعتباره يمهد الطريق لإمكانية نشوء دولة كردية مع أن مطالب الأكراد المعلنة تنحصر حالياً في الفيدرالية، فيما يريد الروس استعجال المعركة ودفع الأتراك للمشاركة فيها بقوة من أجل الاستمرار في الإمساك بالملف السوري بقوة في مواجهة عودة محتملة للإدارة الأمريكية الجديدة للتدخل بشكل مغايرعما فعلته إدارة أوباما من ترك إدارة الملف للروس.
لن يتم تقرير حسم معركة الرقة قبل الاتفاق على الخطوات التالية لتحريرها ومن هي القوات التي ستدخلها وما هي الضمانات التي ستقدم للمدنيين، وهي نفس المشكلة التي واجهت معركة الموصل من قبل، ويبدو أن الخلاف مستمر ولم يحسم بعد بانتظار اتضاح موقف إدارة ترامب.
قام الرئيس التركي أردوغان باتصالات مكثفة وسريعة مع الرئيس ترامب أسفرت عن قيام رئيس المخابرات الأمريكية بأول زيارة خارجية له لتركيا بعد استلام منصبه وربما يكون ذلك إشارة لتحرك عاجل تود إدارة ترامب القيام به بعد أن أعطى الرئيس ترامب أولوية قتال تنظيم الدولة والانتصار عليه بشكل سريع.
توسع الخلاف بين تركيا وأمريكا على خلفية دعم أمريكا القوي لحزب العمال الكردستاني والجماعات المسلحة الكردية الانفصالية الأخرى، وكذلك المطالبة التركية لأمريكا بتسليمها فتح الله غولن بعد اتهامه بالضلوع في المحاولة الانقلابية الفاشلة، لم تعلن الإدارة الأمريكية حتى الأن موقفها حول هذين الموضوعين وسنشهد حالة من المساومات حولهما، مع أن تركيا وافقت على دعوة ترامب لإقامة مناطق أمنة إلا أن روسيا اعترضت على ذلك واشترطت على تركيا عدم القبول بذلك لاستمرار التعاون معها في موضوع الرقة، رغم أن مناطق ترامب الأمنة في الشمال قد تعني المناطق الكردية فقط مما يدعو لعدم فهم الموقف التركي بتأييدها وربما يكون ذلك من باب المناورة والضغط على الروس.
بسبب استفراد قوات تنظيم الدولة في السيطرة على الرقة تم اختيار المعركة فيها لكونها الأسهل في اختبار مدى قوة وصلابة الاصطفافات والمحاور الجديدة الدولية والإقليمية في مواجهة تنظيم الدولة وإمكانية التقدم باتجاه مناطق أخرى في حال تم حسم المعركة بنجاح.
يبدو أن البازار السياسي حول سير معركة الرقة مستمر ولم يحسم بعد، وستعطي التحضيرات لمعركة الرقة وما بعدها مؤشرات إضافية على أفاق سير الملف السوري وشكل الحل السياسي الممكن توقعه.