منذ أيام أطلق وليد المعلم وزير خارجية النظام دعوة لعودة اللاجئين السوريين في دول الجوار، ولكن تلك الدعوة أثارت موجة من الاستغراب والاستهزاء كونها تأتي في نفس الوقت الذي تقوم فيه قوات النظام و الميليشيات الطائفية المتحالفة معها بتهجير الناس من بلداتهم وقراهم بالباصات الخضراء .
في تناغم مع دعوة المعلم كما يبدو أعلن الدكتور محمد حبش النائب السابق ورجل الدين المعروف عن مبادرة جديدة أسماها المبادرة السورية للسلام، وجرى ذلك في بيروت الخميس 9 شباط خلال لقاء ضم عدداً من أعضاء المبادرة مع طيف مهم من الإعلاميين والدبلوماسيين بهدف شرح المبادرة .
حسب حبش فإن المبادرة السورية للسلام هي مشروع وطني سلمي يهدف لتعزيز فرص السلام وإنهاء الحرب في سورية بكل الوسائل الممكنة، وتملك المبادرة كما قال حبش خطوط تواصل إيجابي مع النظام ومع المعارضة ومع الأمم المتحدة ومع عدد من الدول المنخرطة في الصراع في سورية .
النشاط الأول الذي أطلقته المبادرة هو العمل على عودة الراغبين من النازحين السوريين في لبنان بالعودة إلى قراهم وبلداتهم .
وفي التفاصيل يقول حبش بأن هناك متطوعون تابعون للمبادرة سيقومون بزيارة خيام اللاجئين في لبنان لاستلام طلبات الراغبين بالعودة وفق النموذج الذي أعدته المبادرة، ومن ثم سيتم تقديم إلى الحكومة السورية عبر وزارة المصالحة، ومن جهتها فإن الحكومة السورية كما أكد حبش وعدت بتأمين عودة اللاجئين من نقاط الحدود عبر مواكب رسمية محمية إلى مراكز الإيواء التي فتحتها الدولة في المدن السورية حيث تتوفر فيها الإغاثة الضرورية من صحة وغذاء وتعليم إلى حين تأهيل مناطقهم، ويمكن للاجئ أن يختار العودة الفورية إلى بلدته أو قريته إذا كانت مؤهلة .
وقد رحبت المفوضية العامة للاجئين والسفارة الروسية والالمانية والبلغارية بهذه المبادرة ووعدت بتقديم الدعم الممكن لهذه المبادرة النبيلة، كما طالب المشاركون في المبادرة من الدولة السورية تأمين تأجيل إداري لمدة عامين لمن يأتي وهو معيل لأسرته ومطلوب للجندية .
تنتاب المبادرة الكثير من الشكوك والاتهامات خاصة في توقيت إعلانها المتزامن مع دعوة المعلم لأول مرة بعودة اللاجئين، وكذلك في إطلاقها من لبنان حيث قام السياسيون اللبنانيون بحملات واسعة ضد تواجد اللاجئين السوريين في لبنان، كما أن المنظمات المعنية باللاجئين باتت تشكو من نقص الإمكانيات لمساعدة اللاجئين، وفيما يبدو فإن الأهداف الحقيقية لإثارة هذا الملف ليست من أجل اللاجئين أنفسهم .
من جهته فإن حبش يقول أن مبادرته للسلام وتهتم بالشأن الإنساني فقط، لكنه لا يتورع عن الحديث عن اتصالات يجريها مع حكومة النظام وما يسمى وزارة المصالحة فيها، رغم أنه دعا وعمل من قبل على تشكيل تيار ثالث بين المعارضة والنظام وهو كان قد استنكر في مواقف سابقة عمليات القتل والتهجير التي يقوم بها النظام، فما الذي تغير أو استجد برأي حبش حتى يدعو الناس للعودة والعيش في مخيمات إيواء تحت سيطرة النظام تفتقر لأدنى مقومات الأمن والأمان والحياة الإنسانية الكريمة .
ولا نكاد نفهم السر الحقيقي وراء تعاطف حبش المفاجئ مع اللاجئين في لبنان علماً أن محنتهم مستمرة فيها منذ سنوات، سوى تنفيذاً لأجندة سياسية تخدم النظام في هذه المرحلة الدقيقة وتعطيه المزيد من المشروعية المفقودة لكونه يدعو ويقبل عودة اللاجئين وينفي مسؤوليته عن تهجيرهم وتدمير بيوتهم وأملاكهم لا بل يعلن انه سيقدم العون والمساعدة لهم .
في التفاصيل اللوجيستية فإن النظام من خلال ما يقال عن إعادة اللاجئين سيقوم بالسطو على مزيد من الأموال والمساعدات التي ستقدمها المنظمات الدولية باسمهم للنظام وهو قد فعل ذلك في السابق بشهادة تقارير أممية موثقة .
يبقى السؤال هل سيترك الخيار أمام الراغبين بالعودة الطوعية أم سيتم إجبار الكثيرين على العودة استجابة لضغوط كبيرة قام بها لبنان بداعي الخوف من تأثير التواجد الكبير لللاجئين السوريين على تغيير البنية الديمغرافية والإثنية في البلاد .
وتبقى المبادرة الوحيدة التي ينتظرها السوريون هي إسقاط النظام وعودتهم للعيش في وطنهم بحرية وكرامة وأمان .