لم يفهم الحماصنة الأسباب التي دفعت محافظ حمص السابق ذائع الصيت والمثير للجدل محمد إياد غزال لإزالة أشجار النخيل من دوار جميل في أحد احياء حمص الراقية ليضع بدلاً عنها نصباً بيتونياً يعبر عن ذكرى المحرقة اليهودية على يد النازية في ألمانيا، ورغم خوف الناس وقتها من التعليق على موضوع خطير وحساس إلا أن صحافية شجاعة انبرت للكتابة بأن التفسير المقبول للموضوع هو أن يكون هتلر منحدراً من أصول حمصية لكن ما لم تقله أن الغزال يفترض أن يكون من أصول يهودية، ولم يجد الحماصنة أمام واقع مر طريقة للاحتجاج والتندر أفضل من تسمية الدوار المذكور بدوار اليهود.
في الأشهر الأولى من الثورة السورية أطلق رامي مخلوف تصريحه الشهير الذي أعلن فيه أن أمن إسرائيل يرتبط بأمن سورية وبمعنى خفي أراد مخلوف توجيه رسالة لإسرائيل بأن بقاء النظام يخدم أمن إسرائيل وتجاوز مخلوف بذلك خطابات الممانعة للنظام بشكل علني للمرة الأولى.
بالمقابل لم تكن المعارضة في وضع يسمح لها بالتواصل أو التزلف لإسرائيل انطلاقاً من اعتبارات وطنية وأخلاقية وقانونية وخاصة فيما يتعلق بكونها ممثلة للثورة السورية وكون إسرائيل لا تزال محتلة لأراضي سورية وتقوم بأعمال عدوانية ضد الشعب الفلسطيني، ولم تنجح محاولة المفكر اليهودي برنارد ليفي مع المعارضة السورية عندما حاول جمعها في باريس مع شخصيات ومراكز نفوذ قوية من أجل تأمين دعم مشروط لها عبر تأييدها لإسرائيل، فقد فشل ذلك الاجتماع بسبب الحضور الضعيف والباهت لممثلي المعارضة السورية ويذكر أن ليفي نفسه كان هو عراب التدخل الفرنسي في ليبيا وإسقاط نظام القذافي.
لا يمكن تقييم تأثر الثورة سلباً أو إيجاباً بسبب موقف المعارضة تجاه إسرائيل في ظل عدم توفر كافة المعلومات اللازمة، وربما يطرح سؤال عن إمكانية حدوث تغير جذري في مسار الثورة فيما لو ظهر تصريح مماثل منها لتصريح مخلوف أو مواقف مشابهة لمواقف النظام؟ وهل دفعت الثورة ثمن مواقفها المبدئية ضد إسرائيل؟ وهل كان يجب عليها أن تكون أكثر براغماتية وواقعية كما فعل النظام؟
لا يمكن إدراج أو اعتبار التحركات المكثفة الأخيرة لبعض المعارضين تحولاً أساسياً في سياسات المعارضة المعروفة تجاه اسرائيل، ولا تعدو تلك التحركات عن كونها محاولات فردية لأفراد باحثين عن مصالح شخصية من خلال تسويق أنفسهم بالدعوة لإقامة علاقات طبيعية بين العرب وإسرائيل أو اليهود كما يقولون للتمويه في أحيان كثيرة، ويبدو أنهم رصدوا الفائدة التي جناها النظام من خلال الدعم الإسرائيلي له ويسعون لتكرار نفس التجربة، لكن ما لم يفهمه أولئك اللاهثين والزاحفين باتجاه إسرائيل أنهم لا يملكون أي شيء يقدمونه لها كما فعل النظام كي تقيم لهم وزناً أو اعتباراً، وهي لن تقدم لهم ما قدمته للنظام، ولم يدركوا أن إسرائيل ليست دولة تقوم على العدالة وحقوق الإنسان لتقديمها للأخرين كما يتوهمون، وهي ليست دولة قائمة على الرومانسية والمثالية ليتم خداعها بشعاراتهم البراقة كما يظنون.
لم تأتِ تحركات كمال اللبواني بأي شيء عملي، وهي توقفت عند قيامه بزيارة إسرائيل والمشاركة في ندوات وإجراء لقاءات مع بعض المسؤولين هناك وانتهى دور ونشاط اللبواني المعلن عند هذا الحد.
لكن الشخص المثير للجدل كان فهد المصري منسق جبهة الإنقاذ الوطني في سورية، حيث وجه رسالة فيديو مفتوحة للشعب الاسرائيلي يدعو من خلالها للسلام القائم على الحق والعدل كما قال، وأعلن أن دعوته فرصة تاريخية للشعب الاسرائيلي قد لا تتكرر، وذكر المصري بشجاعة وموقف الرئيس المصري الراحل انور السادات الذي أبرم اتفاقية صلح مع إسرائيل، كما أعلن المصري أنه سيزور إسرائيل لإلقاء كلمة في الكنيست، وبدأ يتحدث باستمرار عن وسائل الإعلام والمؤسسات المدنية الإسرائيلية التي تشيد به وبجهوده السلمية وكذلك على النقيض يورد ما تذكر وسائل إعلام النظام والمقربة منه عن شتائم واتهامات توجهها إليه بسبب علاقاته مع إسرائيل، ثم أعلن عن انضمام يهود سوريين لجبهة الإنقاذ، ومن كل الوعود الكثيرة التي استمر المصري يطلقها لم يتحقق شيء حتى زيارته الموعودة لإسرائيل وإلقاء كلمة في الكنيست رغم أنه قد كان يعطي تواريخ زمنية دقيقة يتوقع فيها حدوث أمور خطيرة، ويبدو أن المصري لم يبقى لديه شيء من الثورة السورية سوى ربطها بشكل كامل بإسرائيل ووضع كل الآمال عليها والأوراق بيدها لإنقاذ الشعب السوري من نظام الأسد، وربما يكون تحقيق رهاناته الشخصية في الوصول لمكاسب خاصة بعد أن وضع كل أوراقه في السلة الإسرائيلية هو الهدف الحقيقي لكل ما يقوم به.
ظهرت العديد من الأعمال الأدبية التي تتحدث عن اليهود بطريقة جديدة تدعو لإنصافهم مما لحق بهم من ظلم تاريخي وإدماجهم في المجتمعات العربية ولتلافي السياسات الاسرائيلية العدوانية يعمدون للفصل بين ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية من أعمال عدوانية وبين الشعب اليهودي المسالم، ولا شك أن الأعمال الأدبية لها تأثير كبير على تشكيل الوعي الجمعي العربي، ويسعى أولئك الأدباء لتلقي دعم إسرائيلي يمكنهم من الحصول على مكاسب وجوائز دولية لكن ما يقومون به يخدم الأهداف السياسية لإسرائيل.
لم يمتلك رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا الجرأة للاستمرار في دعوته العلنية لإقامة علاقات مع إسرائيل وتوقف عند هذا الحد ومن المؤكد أنه يقوم هو وغيره من السياسيين المعارضين بإجراء اتصالات مع إسرائيل في سعيهم للبحث عن دولة إقليمية تدعمهم وتثبت وجودهم ضمن أي هيئات سياسية قد تنتج عن أي حل سياسي قادم.
حالياً من الصعب تصور قيام تجمع لمعارضين في منصة إسرائيلية تنطلق من تل أبيب لصعوبة تمرير ذلك وتسويقه، إلا أنه من المتوقع قيام إسرائيل وسعيها لفرض شخصيات مؤيدة لها، وفي الحقيقة لا يمكن تصور وجود شخصية مهمة في مركز القرار والحكم في المنطقة واستمرارها بدون غطاء إسرائيلي وهو ما يشرح سر اللهاث وراء إسرائيل والذي تحول لحب وإعجاب علني في نهاية المطاف وبدون اي خجل.