ضعف تأثير مصر وتراجع دورها الرسمي بشكل كبير في محيطها الإقليمي والعربي بفعل ثورة يناير 2011 وتداعياتها السلبية على الوضع الداخلي المصري، إلا أن التحركات المصرية الخارجية الناشطة مؤخراً تشير كما يبدو إلى عودة إدارة السيسي للعب دور قوي وجديد في فلسطين وليبيا واليمن وسورية والعراق ولبنان وسواها.
في كل الظروف السياسية السابقة التي مرت بها مصر كان العسكر في الواقع هم من يحكم مصر ولو من خلف الكواليس، كما ويتحكمون بقرارها الداخلي والخارجي وإن كان دورهم يتأرجح بين القوة والضعف وبين العلنية والسرية بحسب نظام الحكم وطبيعته في مصر، وقد برهنت مجريات الثورة المصرية تحكم العسكر بها منذ اندلاعها وقيامهم بتنحية مبارك ومن ثم تسليم الحكم للمجلس العسكري في المرحلة الانتقالية، ومن بعد انتخاب مرسي رئيساً لمصر عملوا على ترتيب انقلاب ضده وضعوا بنتيجته السيسي على رأس هرم السلطة بشكل صوري ليحققوا أهدافهم من خلاله.
ظهر تأييد عربي قوي للثورة السورية في بداياتها لكنه لم يتحول لموقف قوي وفعال بدون وجود قوي لمصر في الجامعة العربية، ورغم افتقاد مصر لمؤسسات قوية ومستقرة في عملها إلا أن الأجهزة الأمنية والديبلوماسية استمرت في عملها تراقب وتتابع أحداث الثورة السورية ونشاطات المعارضة في القاهرة التي كانت مركزاً أساسياً لنشاطات المجلس الوطني، كما احتفظت باتصالات وعلاقات خاصة مع أطراف سياسية سورية معينة بانتظار استثمار ذلك في الوقت المناسب.
ظهر منذ البداية دعم القاهرة لبعض الشخصيات السياسية المعارضة وخاصة أعضاء هيئة التنسيق الوطنية ومالت لتبني ودعم مواقفهم السياسية أكثر من طروحات المجلس الوطني، ومن ثم عملت على دعم بعض الشخصيات الأخرى الخارجة من النظام أو هيئات المعارضة ومؤسساتها وشجعتها على الالتقاء في القاهرة برعاية رسمية من وزير خارجية مصر، ونتج عن ذلك ما بات يسمى بمنصة القاهرة التي أخذت منحى سياسي مختلف عن الائتلاف الوطني وهيئات المعارضة الأخرى، وانطلقت تلك المنصة للمطالبة بالحصول على تمثيل ومشاركة ضمن وفد المعارضة في المفاوضات مع النظام، وعندما بدأ يتحقق لها ذلك بالفعل شعرت القاهرة بتواجدها والبدء بتأثيرها في الملف السوري من خلال منصتها، ومن هنا ربما بدأت روسيا تطالب بإشراك مصر في أستانة كطرف ضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، وتريد القاهرة الاسترسال للعب دور أكبر في سورية عبر الانخراط العسكري الميداني المباشر من خلال مشاركة قادمة ومحتملة لقواتها ضمن أي قوات فصل أو سلام أو مراقبة بين النظام والمعارضة قد يتم الاستعانة بها أو تكليفها بقرار دولي قد يتم الاتفاق عليه لفرض حل سياسي في سورية.
أجهض عسكر مصر ثورتها فأصبحت أسوأ من عهد مبارك، وهم يريدون الاستمرار في إجهاض الثورات العربية الأخرى، وقد بات التعاون الأمني بين مصر والنظام مكشوفاً وكذلك تزويد مصر للنظام بالأسلحة بات مفضوحاً، وتنصب المحاولات المصرية الأن على دفع الدول العربية الأخرى باتجاه تطبيع علاقاتها مع النظام وإلغاء العقوبات المفروضة عليه ومن ثم إعادة النظام من جديد ليمثل سورية في المؤسسات الرسمية العربية وتالياً الإقليمية والدولية، ويراهن عسكر مصر وواجهتهم السيسي في نجاح مساعيهم على تنسيقهم الواسع مع الروس وإيران، من السهل اكتشاف حقيقة الدور والموقف المصري والذي كان بيد العسكر دوماً ولم يكن لصالح الثورة السورية أو الشعب السوري، وقد قام العسكر بالإطاحة بالرئيس مرسي وعزله بمجرد أن حاول التمرد عليهم والعمل على دعم ومساندة الشعب السوري وثورته، ومن هنا يأتي الشك وعدم الوثوق بشخصيات المنصة التي أوجدها عسكر مصر ودعموها باسم منصة القاهرة تحت غطاء المعارضة والثورة، ولن تتفق أولويات تلك المنصة بكل تأكيد مع مبادئ الثورة السورية وسيكون همهما الأول تخفيض سقف التفاوض مع النظام بحجة حقن الدماء ووقف الحرب لتسهيل التوصل لحل سياسي، وسيسعى عسكر مصر لاستثمار جهود المنصة وتجييرها لصالحهم مما يسمح لهم التدخل بشكل أكبر في تفاصيل الملف السوري سياسياً وميدانياً ومن ثم يعتقدون بإمكانية عكس مكاسبهم للداخل المصري الذي يعيش أوضاعاً مأساوية ولا يعدو ذلك سوى مقامرة جديدة من العسكر الذين يتلاعبون بمصير البلاد العربية منذ منتصف القرن الماضي.