لم تجد مارين لوبين زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف أي رئيس دولة في العالم يقبل باستقبالها وبقيت تبحث عن رئيس دولة ما يستطيع فعل ذلك، ولم يكن أنسب من ميشال عون الرئيس اللبناني العجوز الذي تم وضعه على كرسي الرئاسة بعد فراغ دستوري طويل في لبنان وبعد مخاض عسير نتج عن تفاهمات إقليمية نفذتها الأطراف اللبنانية تجنباً لحدوث الأعظم في البلاد.
إذن هو لقاء الحاجة والضرورة للطرفين، ماري لوبين تحتاج أن تسوق نفسها أمام الفرنسيين بامتلاكها القدرة على التحرك السياسي خارج البلاد وإمكانية لقائها مع رؤساء دول، وهي لن تضع فرنسا في عزلة سياسية حال فوزها بالرئاسة الفرنسية، بينما يحتاج ميشال عون تسويق نفسه كرئيس قوي للبنان دولياً وأوروبياً وليس مجرد رئيس أملت وجوده الضرورة الإقليمية.
تعطي استطلاعات الرأي مارين لوبين المركز الأول من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكنها ملاحقة في العديد من الملفات القضائية لقيامها بإجراء عقود توظيف وهمية في البرلمان الأوروبي لحارس شخصي لها بصفة مساعد برلماني، وفي الوقت الذي كانت فيه لوبين تقابل عون في بيروت كانت الشرطة الفرنسية تداهم مقر حزبها الجبهة الوطنية وتقوم بتفتيشه للبحث عن وثائق تتعلق بالقضية.
قياساً لباقي مرشحي الرئاسة الفرنسية الذين يتنقلون ويستقبلون كالرؤساء في العواصم الأوروبية، لا يمكن اعتبار زيارة لوبين نجاحاً كبيراً، فالرئيس عون هو رئيس الضرورة في لبنان المحكوم داخلياً من قبل سلاح حزب الله المرتبط بإيران مباشرة، ويعاني لبنان من صراعات داخلية تؤثر على كافة تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيه ولا يمكن تجاوزها بدون تفاهمات تراعي مصالح الدول الإقليمية المؤثرة في لبنان.
لم يكن الرئيس سعد الحريري ملزماً بلقاء لوبين لو أراد ذلك، لأن الزيارة ليست رسمية أو بروتوكولية وكان يمكنه تسجيل موقف قوي هو بحاجة إليه في رفض الاجتماع معها على خلفية موافقها المعادية للإسلام والمسلمين، ولكنها قامت بعد الاجتماع مع الحريري بتصريح خبيث ومفاجئ ومعاكس لمواقف الحريري السياسية أعلنت فيه أن بقاء الأسد هو ضمانة لفرنسا في محاربة تنظيم الدولة.
أثارت لوبين مشكلة أخرى في زيارتها عندما رفضت الالتزام بالبروتوكول ووضع غطاء للرأس ما سبب بإلغاء لقائها مع مفتي الجمهورية اللبنانية، رغم دوافعها البراغماتية من وراء اللقاء لتحسين صورتها المعروفة بعداء الإسلام والمسلمين، ومرة أخرى ما حاجة مفتي لبنان للقاء يجمعه مع لوبين؟ وهي كانت قد أعلنت أن زيارتها من أجل دعم مسيحيي لبنان.
كالعادة يظهر الزعيم اللبناني وليد جنبلاط في المواقف الحرجة ليتكلم بجرأة حيث أعلن أن تصريحات لوبين إهانة بحق الشعب اللبناني والسوري على حد سواء.
مواقف لوبين في دعم بقاء الأسد مناسبة لحزب الله ومن الطبيعي أن يسعى لاستثمارها فيما بعد، لكن تلك المواقف تتناقض مع المواقف المعروفة للشيخ سعد الحريري والمؤيدة للثورة السورية ولا زلنا بانتظار تصريح منه يشرح حقيقة ما حصل في لقاءه مع لوبين، وهل قامت بممارسة الخداع عليه؟.