الهدوء الظاهري لجبهة الجنوب المضبوطة أردنياً من قبل غرفة الموك ظل يخفي وراءه تحركات خطيرة غير معلنة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي مع أن نتائجها واضحة للعيان، لكن توجسات ومخاوف كبيرة كانت موجودة وترى أن الهدوء الشديد وسط منطقة متفجرة قد لا يكون سوى مقدمة لانفجار كبير قادم عبر شيء ما يتم الإعداد له ما وراء الكواليس.
بطبيعة الحال فإن الأردن كان الممر الإجباري لأهالي درعا اللاجئين في دول الجوار بفعل التواصل الجغرافي والترابط الأسري العميق بين مناطق شمالي الأردن وحوران، ونشأت في الأردن تجمعات وهيئات لأهالي حوران بأهداف وتوجهات مختلفة إنسانية وسياسية وعسكرية.
اقرأ: بيان توضيحي من أصحاب مبادرة وثيقة العهد
خلال عدة اجتماعات غير معلنة لشخصيات من أهالي حوران تم الاتفاق بينها بعد نقاشات طويلة على إصدار ما يسمى وثيقة عهد حوران وتم بعد ذلك إجراء تعديلات على الوثيقة لصبح في صيغتها الشبه نهائية والمرفقة مع المقال.
كثير من الشكوك تظهر من خلال مراجعة وثيقة عهد حوران وظروف إعدادها ويمكن التكلم عن ذلك من خلال النقاط التالية :
سرية الاجتماعات وعدم الإعلان عنها وعن شخصيات المشاركين فيها تطرح تساؤلاً مشروعاً حول من يقف خلفها ويدعمها وتبدو الأردن هي الأقرب والأقدر على فعل ذلك.
ما هي أسباب ودوافع إطلاق مثل هذه الوثيقة المناطقية؟ وهل تحاكي ما قامت به وحدات حماية الشعب الكردية في مناطقها من خلال الإدارة الذاتية التي باتت تتكرس واقعاً ملموساً مع مرور الزمن.
تشير الوثيقة بوضوح للالتزام بتحقيق أهداف الثورة السورية والحفاظ على سورية أرضاً وشعباً ومحاسبة كل من اساء بحق الشعب السوري من أي طرف كان وهي أشياء تدعو للاطمئنان بعض الشيء.
تتكلم الوثيقة عن أهالي حوران ومنطقة حوران بدلاً من اسم درعا المعروف وتقول أن حوران هي إحدى محافظات الجمهورية العربية السورية التي ستقوم على اللامركزية من الناحية الإدارية وأن العمل بها مؤقت يتناسب مع الوضع الراهن، مع أنها ذكرت اسم درعا ربما سهواً في موضع أخر من الوثيقة.
لكن ما يثير الريبة هو ما تذكره الوثيقة في الفصل الثالث حول أبناء المحافظة حيث تقول بأن أهالي حوران والمقيمون فيها من المحافظات السورية متساوون في الحقوق والواجبات، فما الحاجة التي دعت للحديث وإقرار أمر مفروغ منه؟ وما الداعي للتفريق بين أبناء حوران والأخرين؟
تتحدث الوثيقة عن مبادئ دستورية وتفصيلاتها القانونية تتعلق بالملكية والقضاء والأحوال الشخصية والحريات العامة والسجون والتربية والتعليم وتظهر كأنها تنظم أمور دولة أو إقليم مستقل.
مجلس الممثلين المؤلف من خمسين عضواً هو الذي يقود المحافظة ويتم اختيار أعضاءه من قبل المؤتمر العام وفق مناطق المحافظة الخمسة وفق شروط محددة للانتخاب والترشيح والعضوية كما تذكر الوثيقة صلاحيات مجلس الممثلين وأخطر ما فيها أن له الحق الحصري والوحيد في سن الأنظمة الجديدة وتعديلاتها بما يتناسب والواقع الحالي أي أعطت الوثيقة المجلس صلاحيات تشريعية.
تكرس الوثيقة الصبغة الدينية الإسلامية لحوران وتفرض أن تتصدر الأحكام القضائية بسم الله الرحمن الرحيم.
مجلس الممثلين وفق الوثيقة هو من يختار الهيئة السياسية ورئيسها ولتي تتبع إليه والتي تقوم بالتنسيق مع باقي المحافظات، كما تتحدث الوثيقة عن الهيئة التنفيذية في المحافظة وهيكليتها الإدارية والهيئة القضائية وتنظيم المحاكم وعملها.
تعتبر الوثيقة أن أهالي حوران والمقيمين فيها هم مصدر الشرعية لهذه الوثيقة.
في النتيجة فإن وثيقة عهد حوران تشير لتوجهات مناطقية لدى العاملين عليها من خلال إطلاق اسم حوران والحديث عن أهالي حوران لتمييزهم عن السوريين الأخرين وتشكيل هيئات لحوران لها صفة الاستقلالية الإدارية اللامركزية والصلاحيات التشريعية والقضائية، ورغم ما ورد في الوثيقة من عبارات واضحة حول الثورة السورية والجمهورية العربية السورية إلا أن ذلك لا يكفي لبث الطمأنينة من الأهداف البعيدة للوثيقة والتي قد تقود لأهداف مناطقية تشجع النزعات الانفصالية ومما يزيد من المخاوف هو بعض العبارات المفتوحة في الوثيقة حسب الأوضاع الراهنة.
لا يخفى دور الأردن المباشر لأي نشاط لأهالي حوران في كافة المجالات، وأكثر المخاوف هو أن تكون وثيقة عهد حوران هي الخطة ب التي تحضرها الأردن لمواجهة استحقاق الانقسام الذي قد يضرب وحدة الأراضي السورية حسب تطورات العملية السياسية.