تسارع الأحداث الميدانية في سورية لم يترك لقوات النظام مزيداً من الوقت للدخول في مناورات ومعارك وهمية للتغطية على تحالفاته غير المعلنة، فقد كشف النظام أخيراً عن تواطئه مع تنظيم الدولة بشكل علني من خلال تكرار عمليات التسليم والاستلام بينهما في تدمر ومناطق شرقي حلب دون أن يكترث لما قد يسببه ذلك له من تأثيرات سلبية أمام المجتمع الدولي لتزامن ذلك مع مشاركته في مفاوضات جنيف ومطالباته المستمرة بوضع بند محاربة الإرهاب أولاً بينما هو يتعاون وينسق مع تنظيم داعش نهاراً جهاراً وبدون أي حرج.
قام النظام بخطوة كبيرة أخرى وكشف علناً هذه المرة تحالفه المعروف مع وحدات حماية الشعب الكردية من خلال قيام تلك الوحدات بتسليمه مواقع لها في منبج تقع بمواجهة قوات درع الفرات لتمنع تقدمها صوب منبج خشية الوقوع في اشتباكات مباشرة مع النظام غير معروفة العواقب.
الصدمة الأخيرة كانت فقط من خلال تحول النظام للعب على المكشوف وفضح تحالفاته المريبة التي كان البعض يحتاج دليل لإثباتها، وقد ظن وفد المعارضة في جنيف أنه قد وجد كنزاً ثميناً عندما عثر على بعض الوثائق في الباب عند تحريرها والتي تؤكد التواصل بين النظام وداعش، وقد أعلن عن ذلك العقيد فاتح حسون في مؤتمر صحفي في جنيف بينما كان محمد علوش قد صرح بأنه عندما أخبر الروس في أستانة عن تعاون واتصال بين النظام وداعش لم يبدو عليهم أي استغراب أو استنكار للموضوع بل أعلنوا علمهم به مسبقاً.
من قبل تم الكشف بالوثائق عن اتفاقيات بين النظام وداعش يقوم من خلالها داعش بتأمين الحماية لخطوط الغاز وتسهيل مرور الإمدادات النفطية للنظام من خلال المناطق التي يسيطر عليها، كما أن وحدات حماية الشعب الكردية تستفيد من موارد حقول النفط في مناطقها باتفاق مع النظام.
ولم يكن مستغرباً أن نرى قوافل عسكرية طويلة لداعش تعبر الصحراء جهاراً نهاراً في مسافات طويلة دون أن تتعرض لأي قصف جوي، ولا أن نرى تسهيل النظام لانتقال وتنقل عناصر داعش من منطقة لأخرى، وذات الأمر ينطبق على علاقة النظام مع الميليشيات الكردية التي أخلت مواقعها لقوات النظام في عدة مناطق وساهمت بتوفير الدعم والحماية وتأمين خطوط الإمداد لها.
الأمر الذي لم يكشف علناً حتى الأن هو التحالف بين داعش والميليشيات الكردية، ومن خلاله استطاعت تلك الميليشيات السيطرة على مناطق واسعة شرقي حلب ومنبج والتقدم لمحاصرة الرقة.
الشيء المحير تلك هو المعارك الوهمية التي تقوم بين تلك الأطراف المتحالفة سراً والمعادية لبعضها علناً، فلا شك أنه قد جرت بعض المعارك وسقط العديد من الضحايا من كل الأطراف التي تكبدت خسائر كبيرة، وليست تلك المعارك سوى مسرحيات لتهيئة الظروف والأجواء لتغييرات ميدانية تم الاتفاق عليها مسبقاً من خلال عمليات الاستلام والتسليم.
خسرت درع الفرات فرصة التقدم نحو منبج وتحريرها بسبب المناورة التي قامت بها وحدات حماية الشعب الكردية مع قوات النظام، وخسرت درع الفرات فوق ذلك إمكانية المشاركة في عملية تحرير الرقة بسبب إغلاق الطريق أمامها بمناورات مماثلة قام بها النظام مع داعش، وبات المنطقة الجغرافية لدرع الفرات محدودة ومقيدة.
لم يبقى أمام النظام ذريعة للتشدق بمحاربة الإرهاب مع انكشاف تنسيقه وتعاونه مع داعش والميليشيات الكردية، والغريب أن تلك المسرحيات والمعارك الوهمية بين النظام و داعش ووحدات حماية الشعب الكردية مقبولة دولياً ويتم تصديقها كذلك على نطاق واسع، ويظهر ذلك من خلال الدعوات المستمرة لإعادة تعويم النظام باعتباره شريكاً أساسياً في محاربة الإرهاب.
مع استمرار تقدم القوات الكردية وحصارها للرقة تبدو معركة الرقة قريبة وقد حسم أمرها لصالح النظام من خلال هزيمة داعش وانسحابها ليتم تسليمها للنظام فيما بعد.