ضحايا بالجملة في الرقة وسط صمت إعلامي ثوري-دولي!

تواصلت الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الروسية و طائرات التحالف الدولي، رفقة سلاح جو نظام الأسد، على مناطق محافظة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014.

و تداول ناشطون إعلاميون معارضون أرقامًا مرعبة لعدد ضحايا هذه الغارات، فيما تؤكد حجم المجازر، حسابات تابعة للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي، و التي تتحدث عن “جرائم إبادة بحق المدنيين في الرقة”.

تعتبر مدينة الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية الرئيس في سوريا و العراق، و يلقبها البعض بـ “موصل سوريا”، كما يلقبون الموصل بـ “رقة العراق”، في إشارة إلى ارتكاز التنظيم و اعتماده على هاتين المدينتين تحديدًا في تواجده الجغرافي و القيادي.

أعلنت روسيا صراحة أنّ كل منطقة يسيطر عليها تنظيم الدولة هي هدف عسكري مشروع، و ذلك في عدة مناسبات على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، و وزير الدفاع، سيرغي شويغو، و كذا قام التحالف الدولي ضد التنظيم، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، و الذي ارتكب مجازر معظمها بقي طي الكتمان، منذ بدء عملياته العسكرية في أغسطس 2014.

و رغم أنّ بشار الأسد قلل من قصفه على المناطق التي تستهدفها طائرات التحالف، إلا أنّ طائراته بقيت و ما زالت تستهدف بين الفينة و الأخرى الرقة المدينة، حيث ترتفع فيها الكثافة السكانية للمدنيين.

نتاج كل هذا القصف متعدد الأطراف، آلاف الضحايا والجرحى المدنيين، و عدد أقل بكثير من مقاتلي تنظيم الدولة، حيث تشير كل التقارير الإعلامية، حتى تلك الصادرة بخجل عن التحالف الدولي إلى وقوع عدد ليس بالبسيط من الضحايا المدنيين.

تحرّم اتفاقيات جنيف (1864 و 1906 و 1929 و 1949) استهداف المدنيين أثناء الحرب، و رغم توقيع و إجماع دول التحالف الدولي على هذه الاتفاقيات، لم يرَ الرقاويون أيّ التزام بها، بل على العكس، بات مشهد دفن عائلات كاملة سقطت بالقصف الجوي، أمرًا مألوفًا في مناطق سيطرة تنظيم الدولة.

تتجنب الدول الغربية، و كذا الحال بالنسبة للعربية المشاركة في هذا التحالف الدولي (كالسعودية و الإمارات و الأردن) الحديث عن سقوط ضحايا مدنيين في الغارات الجوية، إلا أنّ بعض الجهات الراعية لحقوق الإنسان تضغط بشكل مستمر على الولايات المتحدة بصفتها الممثلة لقيادة هذا التحالف على الاعتراف بوجود “أخطاء”، قالت أمريكا إنّها “غير مقصودة” أدت إلى مقتل “بعض المدنيين”.

لا ذنب للمدنيين في مناطق سيطرة تنظيم الدولة إلّا أنّهم يعيشون في مناطق سيطرته!، و رغم كل القيود التي يفرضها التنظيم عليهم، عليهم أن يتحملوا هذا “الوزر” و يدفعون ثمنه من دمائهم و دماء أطفالهم.

يعتقد الغربيون في قرارة أنفسهم أنّ كل مدنيّ في منطقة خاضعة لسيطرة التنظيم هو “مشروع جهاديّ مجرم”، و رغم أنهم يتجنبون الحديث عن ذلك بوضوح مطلق أمام الشاشات، إلا أنّ كل أفعالهم و طريقة حربهم في الرقة تدل على ذلك.

قصف التجمعات السكنية، و السيارات المدنية، و السدود و الجسور و استهداف محطات توليد الكهرباء و تنقية المياه، و البنى التحتية عامة، لا يدل ّ إلا أنّ كل دول التحالف لا تعبأ البتّة بمصير المدنيين و لا بحياتهم.

تشكل العسكرة في مناطق سيطرة التنظيم 5% من المجمل السكاني العام، و على الـ 95% من المدنيين أن يدفعوا ثمن العداء المتبادل بين الـ 5% و دول التحالف، يقول الواقع!.

فيما يتكلم الناشطون عن مقتل 600 مدني خلال أقل من 10 أيام خلت، تناقش تركيا مع الولايات المتحدة مرحلة “تحرير الرقة”، و كذلك تفعل الميليشيات الكردية التي تسنّ أسنانها على المدينة لتوسيع نفوذها الجغرافي، و تهجير المزيد من العرب، و هدم عدد أكبر من القرى و التجمعات العربية، و يشترك في هذا نظام الأسد و العشائر الشرقية التي باعت شرفها لتلك الميليشيات و هي كثيرة.

إعلام النظام يروج لقرب رفع العلم “ذي العيون الخضراء” فوق مباني الرقة المتهدمة، و تقول الميليشيات الكردية إنها أنهت تدريب الوحدات الشرطية لحفظ الأمن داخل المدينة، و تتحدث أمريكا عن قواعد ارتكاز عسكرية لعناصرها في الرقة تحفظ أمن المنطقة الشرقية برمتها، فيما ما زال المسؤولون الأتراك يصدرون البيانات الغاضبة الرافضة لمشاركة الميليشيات الكردية في أي مرحلة من مراحل تحرير الرقة و ما بعدها.

المدنيون في الرقة هم الضحايا في كل هذه المعمعة العسكرية-السياسية، اليوم تسيل دماء أطفالهم تحت المنازل المتهدمة، و غدًا سيجولون في مناطق ينبذهم فيها الجميع بعد أن تتجلى خطط التغيير الديمغرافي و طرد “المكون العربي” الأصيل من المدينة المكلومة.

أضف تعليق