ترصد الصحافة الإسرائيلية باهتمام، مسلسل “عاصمة عبد الحميد” الذي تعرضه القناة الرسمية التركية (TRT1)، فالمسلسل يحتوي على الكثير من المشاهد التي تُظهر شخصية مؤسس الحركة الصهيونية “ثيودور هيرتزل”، وتركز على عدائه لشخص السلطان وللدولة العثمانية.
يعرض المسلسل الذي بُث منه خمس حلقات حتى الآن، لحياة السلطان عبد الحميد الثاني في السنوات الأخيرة لحكمه، ويركز على التحديات والمؤامرات التي واجهت دولته لا سيما من قبل بريطانيا، والحركة الصهيونية التي دأبت على الضغط على السلطان ليمنحها فلسطين لإقامة وطن قومي لليهود فيها، وقامت في سبيل ذلك باختراق عائلة السلطان وحرسه الشخصي، وحاولت اغتياله عبر تجنيد ثلة من الجواسيس داخل الدولة العثمانية بواسطة شيفرة حملت علامة “نجمة داوود”.
على الرغم من أن المسلسل ضعيف من الناحية الفنية والدرامية، وأحداثه غير مستندة إلى رواية تاريخية دقيقة، إلا أن إنتاجه يحمل دلالات أيدلوجية وهوياتية هامة للغاية متعلقة بالداخل التركي، إذ يعيد الاعتبار إلى سيرة سلطان حكم الدولة العثمانية في لحظات حرجة وأخذ العديد من القرارات الجريئة التي كلّفته عرشه وحياته، خاصة أن سيرته قد تعرّضت للإهمال والتشويه في تركيا بعد أن تعرّض هو ذاته للعزل والإبعاد حتى الموت من قبل التيار الذي أسس لاحقاً الجمهورية التركية الحديثة، وهيمن على رواية التاريخ.
اللافت أن المسلسل يتم عرضه بكل ما يحتوي من تعرية لدسائس الصهيونية، في وقت تتجه فيه أنقرة وتل أبيب نحو مزيد من تطبيع العلاقات السياسية والتجارية بعد أن تبادلا السفراء وزيارات المسؤولين والوفود السياحية والإعلامية |
يُعيد المسلسل أيضاً تعريف علاقة الأتراك العثمانيين مع الحركة الصهيونية ومن خلفها دولة “إسرائيل”، على أساس أنها علاقة عدائية لا جدال فيها، ويسرد باستغراق كيف مارس الصهاينة الكثير من الدسائس والمؤامرات ضد عبد الحميد ودولته بصورة تمسّ الكرامة القومية المقدّسة في نفوس الأتراك.
اللافت أن المسلسل يتم عرضه بكل ما يحتوي من تعرية لدسائس الصهيونية، في وقت تتجه فيه أنقرة وتل أبيب نحو مزيد من تطبيع العلاقات السياسية والتجارية بعد أن تبادلا السفراء وزيارات المسؤولين والوفود السياحية والإعلامية. ولعل حرص “إسرائيل” الكبير جداً على تطبيع علاقاتها مع تركيا هو سبب صمتها حتى الآن على هذه الدراما، على الرغم من أن مسلسلات سابقة مثل “وادي الذئاب” و”الوداع”، كانت قد أشعلت أزمة دبلوماسية بين الجانبين عامي 2009 و 2010، في وقت كانت العلاقات فيه متراجعة أصلا.
تذهب تركيا اليوم إلى أبعد حد في تطبيع العلاقات الرسمية مع “إسرائيل”، لكنها في الوقت نفسه تحاول الفصل ما بين التطبيع الرسمي والشعبي، عبر لغة المسؤولين الخطابية القريبة من الفلسطينيين، وعبر الأعمال الدرامية التي تُبقي التناقض والعداء الشعبي قائماً بين جمهور هذه المسلسلات من الأتراك المحافظين ودولة الاحتلال، فهي تدرك أن ما لا تسعه السياسة قد تسعه الدراما.
أما في “إسرائيل” فيبدو المسؤولون الصهاينة حريصين جداً على أن يمتدّ التطبيع الرسمي نحو التطبيع الشعبي الكامل، فقد كانت اشترطت لتبادل السفراء، أن يوقف القضاء التركي محاكمات المسؤولين الإسرائيليين عن قتلهم ضحايا سفينة “مافي مرمرة”، على الرغم من أن تلك المحاكمات كانت محلية وصورية (لا يترتب عليها خطر قضائي)، إلا أن “إسرائيل” كانت تخشى من أثرها المعنوي الذي سيذكي حالة العداء في نفوس الأتراك.
هذا العداء تحث دولة الاحتلال الخطى من أجل تمييعه ومحوه بكل الطرق، وإن كان عبر تصدير فتاة تركية للفوز في برنامج “ذا فويس-The Voice” بنسخته الإسرائيلية، وهو الخبر الذي احتفت به وسائل الاعلام التركية على اختلاف انتماءاتها، أو عبر بروباغندا سفارة “إسرائيل” في أنقرة عبر مواقع التواصل، حيث توهم الأتراك أن “إسرائيل” تقوم بترميم الآثار العثمانية في فلسطين المحتلة بطريقة تداعب مشاعرهم القومية، وتدّعي في السياق ذاته أنها دولة راعية للتراث وديمقراطية حتى مع الفلسطينيين، فالصهاينة أيضاً لهم وجهة نظرهم في مخاطبة الأتراك؛ عنوانها أنّ ما لا تسعه السياسة قد يسعه الفن والتراث في كسب مودة الشعب التركي.. ويبقى السؤال: أين العرب والفلسطينيون الهائمون بالحب السلبي لتركيا من هذه المعادلة؟!
مدونات الجزيرة