هذا سؤال مهم للغاية، وإجابته ستدهش البعض، بل إنني قد أفنيت وقتاً طويلاً في إقناع زوجتي بما سأقوله الآن.
أنا لا أفعل مطلقاً، نعم لا أحدِّث ابني في الدين، إنني ببساطة أراهن على فطرته التي فطَرَه عليها الله؛ ليتمكن من أن يجد الله وحده!
إننا للأسف أثناء تنشئتنا يقوم نفس الطفل بالخلط بين الله وبين السلطة الأبوية؛ لعدم قدرته على استيعاب الحقائق المجاوزة لعمره من الغيبيات، فيضع المخ الله ودينه والغيبيات في سلتين؛ سلة السلطة الأبوية، فالله هو مَن يضع الأوامر كأبي ويعاقب ويثيب، فعقوبته أبوية، ومثوبته متعلقة بتصورنا عن الأمومة، والغيبيات تصب في سلة الفانتازيا، فالملائكة كجنيات الكارتون، والجنة كتصورات ديزني، ولا بأس بهذا، فتلك عقول الأطفال، وهي تنضج مع الوقت.
لكن المشكلة تحدث إذا حدث خلل ما في علاقة الطفل بأبويه، فالأب المنتقد يؤدي الخلط بينه وبين نموذج الله إلى نشوء ضمير ديني جلَّاد، وصوت خلفي دائم يصفعك عند كل فعل، والأب الجافي بسبب الخلط يشوه أيضاً صورة الله المتعلقة بالسلطة الأبوية لدى المراهق والبالغ فيما بعد، فيشعر دوماً أن الأرض محروقة.
وخطايا الآباء المتدينين الذين يحاولون تربية أولادهم على الدين تخلط عقول الأطفال بينها وبين الدين نفسه، وربما بين وجه أبيه البغيض وبين وجه الله!
وللأسف في مرحلة التمرد يتمرد الطفل على السلطة الأبوية، ويحاول التحرر من نموذج الأب، ولأنه لا يدرك الخلط الحادث في الطفولة، يضع صورة الله في سلة المتروكات، فيبتعد ما نسميه نحن بمرحلة الجاهلية التي نمر بها جميعاً، ولا نعود إلا حين نجد الله بأنفسنا لا عبر توصيات الأب والأم.
لا أحد يصل لله بتربية أبويه للأسف؛ لذا ولأني حريص على أن يجد ابني الله ويصل لصيغته من الدين ومعادلته الخاصة الملائمة لروحه، قررت أن أحرص فقط على تقديم نموذج ديني متحقق فيَّ وفي والدته، نموذج يشاهده، ولكنه لا يؤمر بمحاكاته، ثم حرصت على أن يتعلم دينه غير مقرون بالسلطة الأبوية، فأخبرت زوجتي ألا تحدثه في قصصها عن الدين، ولكننا في نفس الوقت حرصنا على أن ندخله مدرسة معروفة بصبغتها الإسلامية، ونتابع ما يضاف إليه من طرف خفي، فهو سيتعلم هناك بأريحية، وسيعرف الله في الخارج، ولن يرتبط نموذج الله بالسلطة الأبوية، حتى إن أسقط سلطتنا يوماً وتمرد علينا لم يتمرد على الله، ولكننا نتابع من طرف خفي ألا يلحق به فقط تشوه ضخم من صورة دينية بعينها.
إننا كآباء نرتكب حماقات في حق أطفالنا، ولو ارتبطت حماقاتنا بالله في لا وعيهم لأحرقنا لهم أرض الوصول.
إن كثيراً من المتعثرين بعلاقتهم بالله ربما ينتج هذا عن مشكلات في ارتباطهم بالوالدين، حدث جراءها تحويل انفعالي لغضبهم وتمردهم على السلطة الأبوية إلى نموذج الله والدين، والكثير من الملاحدة يكبرون تحت آباء ملتزمين أغبياء بما يكفي ليقصوهم عن طريق الله.
أولويتي الوحيدة هي إخراج نموذج نفسي سوي، وسويته لا محالة ستعرفه بالله.
عليّ التربية السوية، والمراهنة على فطرة الله المبرمجة في نفوسهم، اتركوا الأطفال وشأنهم رجاء، فقط احرصوا على مسؤوليتكم في الرعاية والاعتناء والكف عن الأذى والتشويه والتعريف بالله بشكل لا مباشر، ولن يخزيكم الربّ في نفوسهم.
المصدر: مدونات هافينغتون بوست