كنا قبل عقود شعباً كريماً من الوعول والظباء والمها وأنواع الغزلان، وكلها من ذوات القرون والمجد التليد، وحدث أن استولت الحمير على السلطة في حركة انقلابية سريّة، أطلق عليها اسم ثورة، كانوا متنكرين في زي الوعول. وضعوا على رؤوسهم قرونا شجرية ضخمة، فخُدعنا، واستتب لهم الأمر بالمذابح، وأصدروا دستوراً جديداً يحرّم القرون تحريماً تاماً، واستوردوا مادة دهنية ايديولوجية تدهن بها الرؤوس، فتموت بها العظام وتمنع نباتها، وتضعف الملكات العقلية أيضاً. ثمت من يقول أن الحمير حيوانات ذكية، لكن تلك المؤامرة الماكرة كانت من تدبير حيوانات أخرى أذكى تعمل من وراء الستار.
وتحولت رؤوسنا في عهد الحمير إلى رؤوس بصل، أو زوائد دودية. ومُنع التفكر، وأحرقت كتب التاريخ، وراجت مجلات التسلية، ومسلسلات الخيال غير العلمي، وحظّرت قصص ذي القرنين، ، ولم تعرض قط في برامج عالم الحيوان حيوانات لها قرون، وكان جلّها عن الزواحف، والنعاج، حتى ينسى الشعب القرون، وأطلق العنان لمسابقات الرفس التي وصفت بالوطنية، و حفلات الطرب، وساد مطربون أصواتهم شبيهة بنهيق الحمار ، ورفعت شعارات مضحكة مثل: “رفعة العلم في قوة القدم”، “البأس في الرفس”، “من ليس له حافر فهو نافر ابن كافر”، “لا صوت يعلو على صوت النهيق”، “الحميرية طريقنا إلى الاشتراكية”، “نهيق، حميرية، ذيلية”.
وعُدّتْ القرون سلاحاً يهدد أمن المجتمع، وتوهيناً لروح البهيمية، وإضعافاً للشعور الحميري القومي، وإرهاباً، ودسّْت الحمير الذكية الممسكة بالسلطان والصولجان، أو الحيوانات التي العيون والمخبرين والبصاصين للبحث عن كل من تسوّل له نفسه أن يربي قروناً، فهي تهدد السم الأهلي، القرون طائفية، وصار الشعار السري لشعب الوعول: “كناطحٍ صخرة يوماً ليفلقها، فلمْ يضرها وأوهى قرنهُ الوعلُ”، وحيثما توجه الوعول وجدوا في دوائر الحكم حميراً تنهق أو ترفس، وامتلأت السجون والمعتقلات بأصحاب القرون الكرام، أو ممن تذكروا القرون الخوالي التليدة، فكانوا يعتقلون وتنشر قرونهم، وغالباً وبسبب صعوبة نشر القرون الأصيلة بمناشير الحمير الصدئة، أو لحماقة الحمير وضعف مهاراتها، فكانت الرؤوس تقطع من العنق، فالذبح أسهل من النشر، وكانوا يأخذون الجمجمة للزينة والتحنيط في الصالونات. فرضت الحمير قوانين الطوارئ والأحكام العرفية بذريعة واهية، وهي: خدش الأبواب وسقوف الوطن، وعدّت القرون خطرة على الصحة العامة، تلحق الأذى بثمار الأشجار، وتهدد السلم الأهلي!
وكانت الوعول قبل حكم الحمير تعاني من الذئاب، فترحمنا على تلك الأيام، فالذئاب تقتل وعلاً أو عشرة، ثم تكتفي، أما حماقات الحمير فتسببت بفساد شامل ومطلق. وكانت الحمير تصدر لحم الوعول للذئاب في معلبات، أو مثلجة في برادات، أما مسك الغزلان، فيحلب ويعلّب في زجاجات فاخرة وحقوق جميلة، ويصدر إلى بلاد الذئاب حتى تتعطر بها من جرائمها الاستعمارية.
وكان لبعض الوعول الأصيلة المعتقلة في فروع الأمن قرون من العاج، نشرتها المخابرات الحميرية، وتتاجر بها في السوق السوداء، فهاجرت فحول الوعول والغزلان إلى الشمال هرباً بقرونها وكرامتها، وصار شعار الأمة الحميرية هو “العلمانية الحميرية” الداعية إلى الفصل بين “دولة الحوافر ودين القرون”، وأعيد التقدير للحوافر التي أزرت بها القرون، وملأت الساحات بأنصاب تذكارية للحوافر، كان للحوافر الملبسة بالنعال الذهبية الحظوة والتقدير في المملكة الحميرية التقدمية.
ودرات الأيام، وظهر جيل جديد نمت له قرون ضامرة، حرصت الوعول الحكيمة على إخفائها بآذان الحمير الصناعية والقبعات، ووضعوا ذيولاً صناعية، تقيةً و تنكراً في هيئة وعول مستحمرة.
وكانت الذئاب تهجم علينا، فتفترس منا ما تفترس، لفقرنا إلى سلاح القرون، الوعل من غير قرون ليس له كرامة، فنقع بين نارين : الذئاب وأنيابها والحمير وغباءها، فنشكو إلى السلطات فتقول لنا: اصبروا.. لم يحن الوقت، نحن نعمل على التوازن الاستراتيجي.
ظهر الفساد في البر والبحر والفضاء، وانتشر الجوع، وعملت شعوب الوعول والغزلان في خدمة الحمير عبيداً، واختص غزال المسك في نقل القمامة، ونقلِ الدسائس والوشايات التي كانت حكومة الحمير تثيب عليها، وكثرت الأغاني التي تتغنى بالحوافر، ونظمت مسابقات ملكات جمال الذيل، وانتشرت رياضة شبيهة بكرة القدم التي يلعبها بنو آدم اسمها “كرة الرفس”، وظهرت مذيعات على التلفزيون يقبلن الحافر المقدس، وكل من ظهرت له قرون اتهم بالمؤامرة، وكسب الحكم الحميري الملايين من وراء بيع القرون العاجية الثمينة المحرم الاتجار بها دوليا، وكانت أقليّة الحمير ، فاستوردت حمير الوحش غير الشعبية من أجل التوازن الديمغرافي.
ولايزال حكم الحمير المزودة بحوافر فولادية مصنوعة في الغرب، قوياً، وقد اكتسبتْ خبرة، فطعّمتْ الحكم ببعض الوعول المستحمرة، فتظهر أحياناً في نشرات الأخبار لذر الرماد في العيون،فعميت من كثرة الرماد، والدخان الإعلامي، وهي إما متصاهرة مع الحمير نكاحاً، وإما أنها تجاهد في التأكيد على أنها حمير بتطويل آذناها أو تركيب ذيول صناعية، وتفاخر في التلويح بها أمام الكاميرات، أو تبالغ في رفس أبناء شعبها من الوعول، أو بالنهيق إلى حد الطرب، لإظهار الولاء للحمير، صرنا نردد مع الشاعر قوله : رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ مِنْهُ فلمّا، صرت في غيره بكيت عليه،
فنترحم على عهد الحمير، كما ترحمنا على عهد الذئاب.
المصدر: فيسبوك-رابطة الكتاب السوريين