الجلوس لوقت طويل أمام شاشات الكمبيوتر يخلف ضررا فادحا في الظهر ويتفاقم مع مرور الوقت ويصعب السيطرة عليه عبر تناول الأدوية أو الجراحة.
قال الخبير الألماني توماس أونغروهه إن الفروسية تعدّ رياضة مثالية لموظفي العمل المكتبي الذين تتطلّب طبيعة عملهم الجلوس طويلا، حيث أنها مفيدة لصحة الظهر، فضلا عن أنها تتيح لهم التعرض لضوء النهار والهواء الطلق.
وأوضح أونغروهه، عضو الاتحاد الألماني للفروسية، أن ممارسة رياضة الفروسية تساعد على نَصب العمود الفقري جيدا، كما أنها تعمل على تحريك الجزء الذي يتعرض لإجهاد كبير أثناء الجلوس ألا وهو الجزء السفلي من الظهر. كما أن المواءمة المستمرة للجسم مع حركات ظهر الحصان يمينا ويسارا، إلى الأمام والخلف، إلى أعلى وأسفل، من شأنها تنشيط عضلات صغيرة للغاية والتي عادة لا يمكن الوصول إليها جيدا.
ومَن لم تسبق له ممارسة الرياضة من قبل أو عانى من مرض ما لمدة طويلة ينبغي عليه استشارة الطبيب أولا ليتحقق مما إذا كانت الفروسية رياضة مناسبة له أم لا، حيث أن بعض العوامل قد تعيق ممارستها مثل الآلام الحادة أو مشاكل الدورة الدموية.
ورغم الفوائد الكثيرة للفروسية يعتبرها المدربون من الرياضات الخطرة التي تتطلب الحذر والانتباه. ففقدان التوازن أو ارتكاب بعض الأخطاء قد يصيب مُمارِسها بإصاباتٍ بليغةٍ ودائمة مِنها الشَّلَل والانزلاق الغُضروفي، حيثُ لا يُمكِن التنبّؤ بردّة فِعل الجواد، كما أنَّ نِسبة الخطأ قد تكون عالية في بَعض الظّروف.
وعِند ركوب الخيل يجب الأخذ بالاعتبار عَدَم استخدام الخيل في مَناطِق ذات تضاريس صَعبة. ويُفضَّل عدم استخدام الخيل في الأجواء العاصِفة والماطِرة إلّا للضّرورة والتّأكُد من حالة المُعدِّات وجاهزيّتها قبل امتطاء الحصان والتّأكُّد من إطعامه قَبل رُكوبه. وفي حال لم يكُن الرّاكِب مُتمرِّساً فيُفضَّل تواجُد شَخص ذي خبرة وتجربة مَعه.
الفروسية تساعد على نصب العمود الفقري جيدا كما أنها تعمل على تحريك الجزء الذي يتعرض لإجهاد كبير أثناء الجلوس
ويوصي المدربون باختيار جوادٍ هادئ ومُعتاد على التّعامُل مع البَشَر؛ وذَلِك لتفادي أيّ ردّة فعل مِنهُ غير مُتوقَّعة في حال كان شديد النشاط. ومن أخطَر ما قَد يحدُث لراكِب الخيل هو السّقوط من على ظهر الحصان حيثُ سيؤدّي ذلك إلى ارتطام الرّاكب بالأرض ممّا قَد يُسبِّب كُسوراً للعِظام أو انزلاقاً غضروفيّاً يُسبِّب الشّلَل أو قد يسقُط الحِصان الذي يبلُغ وزنه أكثَر من 300 كيلوغرام فوق الرّاكِب ممّا قد يزيد من احتمال وقوع الإصابات المُميتة.
لذا يُنصَح بالتدرُّب على رُكوب الخيل من قِبَل مُحترفين إضافةً إلى تعلُّم كيفيّة التصرُّف في حال وقوع الحوادِث الخَطِرة. ويلجأ رُكّاب الخيل لاستخدام معدّات مُتخصّصة تُساعِد بشكلٍ كبير على التمرس على رياضة الفروسية؛ وذلك نظراً لصُعوبة الجلوس على ظَهر الحصان والتحكُّم به وتوجيهه بسهولة، ومن أهمّ هذه المُعدّات: الخوذة التي تُستَخدَم في حماية الرّأس في حال السّقوط من على ظهر الجواد.
ووفقا لجمعية مدربي الخيل الأميركية، تمثل إصابات الرأس حوالي 60 بالمئة من الوفيات الناجمة عن حوادث الفروسية. لذا ارتداء الخوذات يمكن أن يقلل من شدة إصابات الرأس أثناء الركوب.
ويوضع السَّرج على ظَهر الحصان لتهيئته للرّكوب واللجام وهو ما يُثبَّت على رأس الخيل من أجل التحكُّم فيها وتسييرها وغطاء للسّاقين (يمتد من الركبة وحتّى القدم على كلتا السّاقين ويُساعِد في تثبيت الراكب على ظهر الحصان.
وذكرت إحدى الدراسات أن ركوب الخيل يعمل على ضخ الأدرينالين ورفع النبض وتحسين التمثيل الغذائي. وهذا يعني أنه جيد لحرق الدهون، فساعة واحدة فقط من ركوب الخيل تعمل على حرق ما يصل إلى 650 سعرة حرارية. كما أن ركوب الخيل يتطلب توازنا جيدا والتنسيق والتكيف مع حركة الجسم.
وعلى المبتدئ في ممارسة الفروسية أن يكون في حالة بدنية مناسبة للجهد الذي سيبذله على ظهر الحصان. ومن الأفضل القيام ببعض التمارين المساعدة على المرونة. وتعد تمارين القرفصاء من أنجع هذه التمرينات. فالتمرين يستهدف ويشغل جميع العضلات، لا سيما الأربطة والرجلين. وفي حال التمكن من القيام ببعض تمارين القرفصاء والثبات دون تحريك لمدة دقيقة أو أكثر سوف تكون اللياقة جاهزة لبدء تدريب ركوب الخيل.
رياضة التحمل والصبر
ويوصي مدربو اللياقة بالحرص على أن يكون وضع الجلوس صحيحا أثناء ركوب الخيل بشكل يحافظ على المنحنيات الطبيعية للعمود الفقري لأن الجلوس بطريقة صحيحة على ظهور الخيل لفترة طويلة يساعد على تحسين وضع القوام والظهر. ويمكن ضبط ذلك من خلال إبقاء الحوض في وضع محايد عن طريق تخيله وكأنه وعاء به ماء ينبغي ألاّ ينسكب ولا يتسرب من الوعاء.
وانتهت دراسة أنجزت من قبل جمعية الخيل البريطانية إلى أن ركوب الخيل يحفز المشاعر النفسية الإيجابية إلى حد كبير. وأعرب أكثر من 80 بالمئة ممن أجابوا على الاستبيان عن أن ركوب الخيل يجعلهم يشعرون بالسرور والاسترخاء والنشاط والمرح.
وتوصل الباحثون إلى أن واحدة من أكبر الدوافع للذهاب إلى ركوب الخيل كان “التفاعل مع الخيول” وهناك العديد من الفرسان يدّعون بأن الخيول أفضل أصدقائهم.
وذكر تقرير نشرته شبكة سي إن إن الأميركية أن الفروسية رياضة تحتاج إلى الكثير من الوقت والصبر للتعلم. وهناك العديد من الأخطاء التي قد يرتكبها الفارس الجديد بسبب قلة الخبرة أو الاندفاع. وفي ما يلي أبرز الأخطاء وطريقة تصويبها:
* رفع الذراعين عالياً: قد يبدو أمراً تلقائياً للفارس أن يرفع ذراعيه عالياً لموازنة جسده على الحصان. هذا يجعله يفقد السيطرة على الحصان في حالة حصول أيّ حركة فجائية. ولتجنب هذه الغلطة على الفارس موازنة وضعية جلوسه بشكل ثابت ومشدود قليلاً ووضع اليدين على مستوى الخصر.
* التشبث بالحصان بتضييق الأرجل من حوله: ركوب الخيل يعتمد على التوازن أكثر من التشبث بالحصان، ما يجعل عضلات الفارس غير متوترة وقابلة للحركة أكثر. وقد يفهم الحصان التضييق عليه بأعلى أو أسفل الأرجل على أنه إشارة للحركة إلى الأمام، كما أن هذا التشبث متعب للفارس. ولتجنب هذا على الفارس إرخاء رجليه من الوركين إلى أسفل القدمين وإلقاء الثقل على القدمين.
* الوقوف على رؤوس أصابع القدمين: قد يقوم الفارس بالوقوف على رؤوس أصابعه عند رفع نفسه عن السرج أثناء الوثب، لكن هذا سيجعل الفارس عبئاً على الحصان لأنه سيجعله يرتد على السرج مرتين بشكل يزيد الثقل على الحصان، والنتيجة هي حركة غير متوازنة. وطريقة رفع الجسم المثلى في هذه الحالة هي بجعل القدمين تحت الجسم وكأن الفارس يقوم بالوقوف بشكل عادي مع ثني الركبتين قليلاً. ويجب على الفارس تعلّم استعمال عضلات الجذع لموازنة جسمه وليس قدميه.
* المبالغة في إدخال القدمين في الركبان: إدخال القدمين في الركبان كثيراً سيزعج الفارس، ويفضل الارتكاز على الركبان في نقطة منتصف القدم. كما يجب الحرص على أن الركبان بطول مناسب بحيث لا يتجاوز كاحل القدمين عند إرخائها بشكل كامل.
العمود الفقري والمفاصل بحاجة للحركة المستمرة، لذا يفضل التحرك أثناء فترات الجلوس نفسها
* انحناء الظهر: تصعب السيطرة على الحصان والحفاظ على التوازن إذا كان جسم الفارس منحنياً ومرتخياً. ويجب على الفارس أن يجلس بطريقة مستقيمة دون توتر وأن يبقي ذقنه مرفوعاً وأن ينظر إلى الطريق أمامه. المبالغة في إرجاع الكتفين إلى الوراء تسبب التوتر في جسم الفارس لهذا يفضل الاستعاضة عن ذلك بالتنفس بعمق لتوسيع القفص الصدري.
* رفع الركبتين: يقوم الكثير من الفرسان المبتدئين برفع ركبهم عند ركوب الحصان، ما يجعلهم يبدون وكأنهم يجلسون على كرسيّ. ويجب على الفارس إرخاء رجليه من الوركين إلى أسفل والحفاظ على الخط المستقيم من الكتفين إلى القدمين.
* حبس النّفَس: قد يحبس الفارس نفسه أو ينسى التنفس بسبب التوتر المقترن بتعلم مهارات جديدة. لكنه يجب أن يسترخي وينظم إيقاع تنفسه مع خطوات الحصان.
* النظر إلى الحصان: قد يقوم الكثير من الفرسان المبتدئين بالنظر إلى الحصان ما يشتت انتباههم عن الطريق أمامهم ويجعلهم غير مستعدين لما قد يواجههم. بالإضافة إلى ذلك عندما يحني الفارس رقبته ورأسه يؤثر ذلك على استقامة عموده الفقري ما يجعل حمله أمراً أكثر صعوبة على الحصان.
* شد العنان بقوة: شد العنان بقوة ودون سبب يُعدّ أمراً مزعجاً ومؤلماً أحياناً للحصان. أما تكراره قد يجعل الحصان يتجاهل شد العنان أو يرجع رأسه إلى الوراء لتجنب الضغط أو الألم. ويجب على الفارس تعلم إعطاء إشارة للحصان دون سحب العنان من خلال شد العنان باتجاه الأسفل بدل شده إلى الأعلى.
وأظهرت نتائج دراسة ألمانية حديثة أن الجلوس فترات طويلة لا يلحق أضرارا بالظهر فحسب وإنما يزيد أيضا من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري وكذلك الأمراض السرطانية، سواء تمت ممارسة الرياضة بعد فترات الجلوس الطويلة هذه أم لا.
وأجرت الدراسة دانيلا شميد بجامعة ريغينسبورغ الألمانية، وكتبت عنها صحيفة “دي فيلت”. وتبين أن الجلوس والتصلب في وضعية واحدة فترات طويلة يعرض حياة الإنسان للخطر، إذ أنه يؤثر على القلب والدورة الدموية مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، فضلا عن تأثيره السلبي على عملية التمثيل الغذائي للأنسولين مما قد يؤدي أيضا إلى الإصابة بالسكّري.
قلة الخبرة مع الخيول تضر بالمتدرب
وأوضحت الباحثة الألمانية أنه تبين أيضا خلال البحث ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان القولون وسرطان عنق الرحم وكذلك سرطان الرئة لدى من يجلسون فترات طويلة مقارنة بغيرهم. ولفتت إلى أن الجلوس يُعدّ عامل خطورة على صحة الإنسان لا يقلّ في ضرره عن التدخين.
ولتجنب هذه المخاطر، شددت شميد على ضرورة تجنب الجلوس فترات طويلة والثبات في وضعية واحدة بصورة مستمرة. ونظرا لأنه لا يمكن لموظفي العمل المكتبي مثلا تحقيق ذلك نتيجة طبيعة عملهم التي تستلزم الجلوس فترات طويلة، لذا تنصحهم بالوقوف دقيقتين إلى ثلاث دقائق كل ساعة أثناء الجلوس للعمل.
وأضافت أنه يفضل أيضا إتمام بعض مهام العمل أثناء الوقوف كإجراء المكالمات الهاتفية مثلا في وضعية الوقوف.
وأكدت شميد أنه يمكن بذلك تحقيق قدر من التوازن للعضلات والتخفيف عنها وتجنب الإصابة بنوبات الشد في الظهر، إلا أنها أكدت في الوقت ذاته أن العمود الفقري والمفاصل بحاجة للحركة المستمرة، لذا يفضل التحرك أثناء فترات الجلوس نفسها، لافتة إلى أنه يمكن تحقيق ذلك على نحو أمثل من خلال تغيير وضعية الجلوس بصورة مستمرة عن طريق الميل إلى الأمام أو إلى الخلف من آن إلى لآخر والاستناد بالذراعين إلى المكتب أو رفعهما إلى أعلى أثناء الجلوس.
يذكر أن العديد من الأطباء الألمان يرجعون معظم حالات الألم المباغت الذي يصيب الإنسان أثناء العمل إلى “العصب الملتوي” وهو تشخيص شكك فيه جملة من الأطباء خلال مؤتمر أطباء الألم الألمان منذ نهاية 1998. وكانت دراسة لمعهد أمنيد للدراسات الإحصائية قد أشارت إلى أن 85 بالمئة من هذه الحالات لم يتم علاجها في ألمانيا بالشكل المطلوب أو أنها عولجت بشكل سيء.
ويشير البروفسور كاي برونه، من جامعة إيرلانغن ورئيس مؤتمر الألم الألماني لعام 1998، إلى أن العلاج القاصر لحالات الألم هو سبب ارتفاع عددها الملحوظ في العقدين الأخيرين وليس أن الألمان أصبحوا أكثر “حساسية ورهافة”. ولهذا يقول برونه في دراسة قدمها إلى المؤتمر ذلك العام “إن أنجع الحلول ضد آلام الظهر ليس الراحة في الفراش ولا الإسراع بتعريض المصاب إلى أشعة إكس ولا العملية الجراحية. الأهم من كل ذلك في حالة ألم الظهر هو أن يعاود الإنسان حياته الطبيعية.
ويضيف البروفسور “نادرا ما تؤدي العمليات إلى تحسن ثابت في حالة المريض بل بالعكس لأن فترات النقاهة تؤدي إلى تحويل الألم إلى ألم مزمن”. وعلى هذا الأساس يعتقد كاي برونه أن أنجح علاج لآلام الظهر هو الحركة المبكرة. ومن يدخل مرة في حلقة مفرغة من الألم والمعافاة منه لن تسعفه الحياة لاحقا في البقاء دون ألم ودون مساعدة الطبيب.
كما أن دفع الإنسان المصاب لتحديد حركة جسمه دفعا يؤدي إلى تقلص فاعلية التركيبة العضلية العصبية والإخلال باستقرار العمود الفقري. ويقود هذا الوضع الإنسان إلى حالات أكثر ألما وقوة حينما تؤدّي حركة معينة خاطئة إلى مزيد من الإخلال باستقرار حالة العمود الفقري.
وثمن هيرمان لوخر، رئيس الاتحاد الدولي لعلاج آلام العظام، نتائج أبحاث معهد ماكس بلانك وقال إنها ذات أهمية عظيمة في علاج حالات ألم الظهر. وذكر لوخر أن “التصور القائل إن الآلام الناجمة عن جهاز الحركة هي نتيجة للعصب الملتوي وإنها حالة يمكن علاجها بواسطة تقليص الحركة هو تصور مضى عليه الزمن.
ويعتقد علماء الفيزياء الطبيعية اليوم أن الحركة في المفاصل وغيرها أسوة بكل فعل فيزيائي يقلل الألم لأنه يحفز الألياف العصبية التي تدفع الجهاز العصبي المركزي لكبح جماح الخلايا المتهيجة. ولا يسود هنا منطق بعض الأطباء القائل بضرورة عدم تحريك منطقة الألم لأكثر من ثلاث مرات بل منطق الفيزياء الطبيعية القائل بوجوب مقاطعة إيعازات الألم بواسطة الإيعازات الكابتة للألم إلى أن تنسى الخلايا العصبية وجود هذا التهيج العصبي”.
العرب اللندنية