أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا النتائج الرسمية للاستفتاء الشعبي الذي جرى قبل أسبوعين، بعد أن رفضت الطعون التي تقدم بها حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي بحجة وجود أوراق لم يتم ختمها قبل عملية التصويت، ونشرت النتائج في الجريدة الرسمية.
حزب الشعب الجمهوري لم يكتف بالطعن في نتائج الاستفتاء الشعبي لدى اللجنة العليا للانتخابات، بل وذهب أيضاً إلى المحكمة الإدارية العليا بطلب إلغاء الاستفتاء الشعبي، إلا أنه لم يجد هناك ذاك القرار الذي يسعى إلى استصداره، وقوبل طلبه بالرفض، وأخيرا أعلن أنه سيذهب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
اللجنة العليا للانتخابات التي تقوم بتنظيم الانتخابات والاستفتاءات الشعبية في البلاد قراراتها نهائية، وهي مستقلة، وتعد المحكمة العليا التي تفصل في القضايا المتعلقة بالانتخابات والطعون في نتائجها، وليست لأي جهة -سواء داخل تركيا أو خارجها- سلطة عليها.
حزب الشعب الجمهوري بعد أن خيَّبت اللجنة العليا للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا آماله، لم يذهب إلى المحكمة الدستورية، لأنه يعلم جيداً أن المحكمة الدستورية ليست من صلاحياتها النظر في مثل هذه القضايا، وأنها بلا شك سترفض طلب إلغاء الاستفتاء الشعبي، ولكن لما ذا قرر الذهاب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؟
الجواب يكمن في موقف الاتحاد الأوروبي من التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في الاستفتاء الشعبي.
الجواب يكمن في موقف الاتحاد الأوروبي من التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في الاستفتاء الشعبي.
رأى حزب الشعب الجمهوري انحياز الاتحاد الأوروبي السافر إلى الجبهة الرافضة للتعديلات الدستورية، وقرأ التقرير الذي شارك في إعداده مراقبون أوروبيون مؤيدون لحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي دفعه إلى الاعتقاد بأن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يمكن أن تصدر قراراً يعزز موقف الحزب الرافض لنتائج الاستفتاء.
هل ستقبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان النظر في القضية؟ وبما ذا ستحكم إن قبلت النظر فيها؟ لا نعلم. ولكن الذي نعلمه أن قرارها لن يغير النتائج مهما كان، وإن صدر منها أي قرار يشكك في نتائج الاستفتاء الشعبي فإنه سيكون قراراً سياسياً بامتياز، ليستغله حزب الشعب الجمهوري سياسياً داخل تركيا.
تقبلُ الانتقالِ من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي ليس بأمر هين لحزب الشعب الجمهوري الذي يرى نفسه مؤسس الجمهورية التركية وصاحبها، ولذلك يجد الحزب دائماً صعوبة في هضم نتائج الإرادة الشعبية، ويحاول مقاومتها لمدة، ثم يتعود، ويستسلم للواقع.
سبق أن حاول بكل طرق غير ديمقراطية عرقلة انتخاب عبد الله غول رئيساً للجمهورية، ولكنه لم ينجح، وبعدما تولى غول منصب رئاسة الجمهورية أظهر استياءه منه بأي وسيلة ممكنة، إلا أنه تعوَّد فيما بعد، واضطر أن يتقبله. ولما انتخب أردوغان رئيساً للجمهورية بأصوات الناخبين أعلن كيليتشدار أوغلو أنه سيقاطعه، إلا أنه تراجع بعد فترة عن هذا القرار، وذهب إلى القصر الرئاسي الجديد. وحين عبر بعض رؤساء المحاكم العليا عن انزعاجهم من انتخاب تورغوت أوزال رئيساً للجمهورية كان رده على هذا الانزعاج كلمة واحدة: «سيتعوَّدون».
التعديلات الدستورية التي أقرها الشعب التركي في الاستفتاء الشعبي سيتم تطبيقها وفق جدول زمني، وستكون أول خطوة عودة أردوغان إلى حزب العدالة والتنمية الذي استقال منه بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، وستعقبها خطوات أخرى، كما أن حزب الشعب الجمهوري سيرى أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.
العرب القطرية