غدت مدينة حمص كاملة بيد نظام الأسد بعد أن فرض الأخير التهجير القسري على حي الوعر، آخر حي تسيطر عليه المعارضة في المدينة، والذي صمد لسنوات أمام القصف والحصار الخانق والجوع، حاملاً راية الثورة، في حمص “عاصمة الثورة”.
بموجب اتفاقية خطّها النظام بإشراف من حليفته روسيا، استكمالاً لما شهدته مدينة حمص من تبعات نهج التغيير الديمغرافي بسوريا، أُجبر آلاف السكان القاطنين بحي الوعر، على الخروج من الحي رافضين العيش تحت سلطة النظام، باتجاه الشمال السوري المحرر، ريف حلب وإدلب، على دفعات أسبوعياً.
وتزامن خروج الدفعة الأولى من مهجري حي الوعر، مع الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية والتي اشتعلت بتاريخ 18 آذار/مارس من العام 2011م.
الدفعات المتجهة إلى ريف حلب
في صباح السبت 18 آذار/مارس من العام الجاري، بدأت عملية خروج الدفعة الأولى من مقاتلي الحي مع ذويهم، باتجاه مدينة جرابلس بريف حلب الشمالي الشرقي، وبلغ عدد الخارجين فيها نحو ألفي شخص، بينهم 400 مقاتل.
انطلقت الحافلات بعد انتظار دام ساعات، باتجاه الشمال السوري، عبوراً بطريق سلمية في ريف حماة، لتنتقل بعدها إلى طريقي إثريا خناصر، باتجاه بلدة دابق والباب بريف حلب الشرقي وصولا إلى مدينة جرابلس التي تم تحريرها مؤخرًا من تنظيم الدولة بعملية درع الفرات التي كانت بقيادة ودعم عسكري تركي.
استقبلت المدينة الحصة الأكبر من مهجري حي الوعر، فكانت أغلب الدفعات تتجه إليها، ظنّاً بأن الحياة ستكون أفضل، لكونها محررة حديثاً وتخضع لإشراف تركيا، إلا أن الواقع كان مريراً بالنسبة للمتجهين إليها.
خصصت منظمة الهلال الأحمر التركي ومنظمة آفاد رقعة من بلدة زوغرة بريف جرابلس الغربي، لإنشاء مخيم خاص بمهجري حي الوعر، أُطلِق عليه اسم “مخيم زوغرة”.
معاناة المهجرين في مخيم زوغرة
يشتكي مهجرو حي الوعر المتواجدين في مخيم زوغرة، والذين بلغ عددهم نحو عشرة آلاف و500 شخص، من غياب المنظمات الإنسانية، وانعدام الخدمات الأساسية والرعاية، إضافة لعدم وجود أغلب المرافق العامة وسوء الحمامات والنظافة، حيث تشترك عدة خيم على حمام مشترك.
وبحسب أحد الناشطين في مدينة جرابلس فإن تركيا تمنع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية من تقديم الخدمات في جرابلس والباب والمناطق التي تم تحريرها بعملية درع الفرات.
وتسمح الحكومة التركية لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH) ومنظمة الآفاد والهلال الأحمر التركي فقط بالنشاط في هذه المناطق.
وبحسب شهادات مهجرين رصدها موقع مرآة سوريا، فإنّ أغلب الدفعات افترشت الأرض حين وصولها، لعدم وجود مأوى أو خيم مجهزة مسبقاً يستطيعون الإقامة فيها، فقد تبين حينها أن منظمة آفاد التركية المسؤولة عن تأمين مخيم صالح للسكن لم تقم بتجهيز المكان، ما أثار استياء الأهالي.
يقول أحد المهجرين الواصلين ضمن الدفعة الأولى في حديث خاص لمرآة سوريا:”لم نكن متوقعين كل هذا التقاعس من قبل المشرفين على مدينة جرابلس، فعند وصولنا بعد رحلة شاقة تم توزيعنا على خيم أرضيتها تراب مفروشة ببساط رقيق، واسفنجات، وقامت سيارات الإغاثة بتوزيع المياه علينا لانعدامها في المخيم، إضافة إلى بعض “الكراتين” التي تحوي القليل من المواد الغذائية.. لقد كنا نأمل بمخيم مخدم بمستلزمات الحياة والصرف الصحي كما قيل لنا؛ إلّا أن الحقيقية كانت عكس ذلك”.
يتابع المهجر حديثه:”لو كنت على علم بأن وضع الحياة في المخيم على هذا النحو، لكنت اخترت البقاء في الوعر وتحملت ذل النظام بدلا من ذل العيش في المخيم”.
تزود المنظمات التركية المسؤولة عن مخيم زوغرة، المهجرين بالطعام عبر توزيع وجبات غذائية بالإضافة إلى الخبز بشكل يومي إلى كل خيمة، لانعدام معدات إعداد الطعام من غاز وبراد يحفظه.
بعض العائلات، حين وصولها إلى مخيم زوغرة، اختارت العودة إلى حي الوعر، بذات الحافلات التي أقلتها، وقامت بتسوية أوضاعها لدى النظام، نتيجة الوضع المأساوي الذي شاهدته في المخيم، في حين اختارت عائلات أخرى العودة وتغيير الوجهة إلى إدلب، لعل الحال يكون أفضل.
حاول المهجرون مناشدة المنظمات الإنسانية وبالأخص التركية، للعمل على تحسين حال مخيم زوغرة، وقد تلقوا وعودا كثيرة بتحسين الخدمات، دون أن تترجم هذه الوعود إلى أفعال، فقرر البعض الخروج والبحث عن منزل لاستئجاره والاستقرار فيه، إلّا أن غلاء الأسعار حال دون ذلك، حيث وصل أجار المنزل في مدينة جرابلس إلى 150 دولارًا.
مصير مقاتلي المعارضة المهجرين من الوعر
أغلب المهجرين من حي الوعر هم مقاتلون لدى فصائل المعارضة، ومع خروجهم لم يعد هنالك وجود لتلك الفصائل بالأخص لكون مدينة جرابلس خالية من أي تواجد للفصائل المعارضة.
فاختار بعض المقاتلين التخلي عن العمل العسكري والعودة إلى الحياة المدنية، في حين اضطر البعض للالتحاق بـ “الشرطة السورية الحرة” المدربة على يد عسكريين أتراك، والمنتشرة بكثرة بمدينة جرابلس، لعله يحصل لقمة عيشه من ذلك.
العبور غير القانوني إلى تركيا
ومع ازدياد أعداد المهجرين الوافدين من حي الوعر وعدة مناطق أخرى في ريف دمشق، والتي شملتها اتفاقات التسوية الأخيرة، ازداد نشاط “مهربي الحدود”، الذين يقومون بتقاضي أجور مالية مقابل إيصال الناس إلى الأراضي التركية بشكل غير قانوني.
ولطالما تلازم تهريب الناس عبر الحدود بالكثير من عمليات النصب والاحتيال والاستغلال، لم ينجُ المهجّرون من ذلك أيضًا.
وتتراوح أجور التهريب للشخص الواحد بين 500-1000 دولار أمريكي، ويتحكم المهربون بالأسعار تبعًا لحالة الناس، فكلما زادت حاجة الناس إلى الوصول للأراضي التركية، زاد المبلغ.
و يخشى حقوقيون معارضون من استمرار اتفاقيات التهجير المشابهة لاتفاق تهجير حي الوعر، خصوصًا وأنّ شبكات إعلامية موالية للنظام تتحدث عن اتفاقات قريبة في ريف حمص الشمالي ومنطقة الحولة وعدة بلدات في ريف دمشق، وهو ما دعا عدة مجالس محلية في ريفي حلب وإدلب إلى إطلاق نداءات استغاثة تحذيرية لتأهيل البنى التحتية فيها وإعدادها.