سيارات المستقبل رفيق رقمي يفكر ويتخذ القرارات

يعتبر الكثير من خبراء التكنولوجيا وعمالقة صناعة السيارات أن الذكاء الاصطناعي بات المفتاح التكنولوجي نحو تطوير أنظمة القيادة الآلية، ولكن المستقبل لم يعد يكتفي بأن تعرف السيارة محيطها فقط.

ومنذ أواخر 2015، بدأت شركات السيارات العالمية وشركات التكنولوجيا في الاعتكاف على تطوير أنظمة تحكم تتيح استعمال وظائف السيارة المختلفة عن طريق الإيماءات ومن ثم الاستغناء عن اللمس واستبداله بأنظمة وشاشات إلكترونية تستشعر رغبات السائق قبل أن يفصح عنها، كما تحولت قمرة القيادة بأجهزتها التقليدية إلى شاشة مبرمجة افتراضيا.

لكن الأمر سيتطور أكثر. ووفق الخبراء، فإنه خلال السنوات القليلة القادمة سيكون بمقدور السيارة فهم البيئة التي تسير فيها وتحليلها، لكي تكون قادرة على اتخاذ القرار بنفسها بشكل ذاتي في كامل المواقف المرورية.

وستصل سيارات المستقبل إلى تلك المرحلة اعتمادا على تعلمها وتطورها وكذلك تراكم خبراتها شأنها في ذلك شأن من يتعلم القيادة.

استقلالية في اتخاذ القرارات

يقول مانو زاله، من قسم الأبحاث بشركة مرسيدس-بنز، إن السيارة ستكون مسؤولة عن التصرف واتخاذ قرارات في مواقف كتلك التي تتم فيها القيادة على طريق يضم 8 حارات وتسير به العديد من السيارات والحافلات والمئات من الدراجات النارية والمارة.

شتيفان زومر: كل ما تحتاجه السيارة لتكون القيادة آلية هو الذكاء الاصطناعي

وأوضح المطور بالشركة الألمانية والمكلف بتطوير نظام القيادة الآلية أن السيارة يتعين عليها أن تأخذ القرار بنفسها للتعامل مع الموقف المروري بدلا من اتباع روتين مبرمج؛ فهي بحاجة إلى اكتساب الخبرة التي تميز بين قائد السيارة الجيد والآخر السيء.

ويلتقط شتيفان زومر طرف الحديث، مشيرا إلى أن هذه الخبرة لا تتوفر حتى الآن في بنية السيارة؛ فمع العشرات من وحدات التحكم يمكن للسيارة أن تقوم بعملية الحسابات بسرعة، ولكنها لا تقدر على التفكير، فضلا عن التعلم والتصرف.

ولتغيير ذلك قال زومر، المدير التنفيذي لشركة زد.أف المغذية لصناعات السيارات، الذي يتعاون مع شركة نفيديا المتخصصة في تطوير بطاقات الرسوميات، إن “ما تحتاجه السيارة لتكون قادرة على القيادة الآلية هو الذكاء الاصطناعي”.

وأشار زومر إلى أنه إذا دار الأمر المتعلق بطريقة العمل الحالية لتقنيات السيارة حول التعرف على الموقف بأسرع وأدق شكل ممكن، وبالتالي استحضار التعليمات المبرمجة المطابقة سيكون لزاما على السيارة المزودة بنظام القيادة الآلية تحليل النتائج بنفسها واتخاذ القرارات اللازمة بشكل مستقل.

ومن حيث الأساس، قد يشبه هذا التسلسل ما يحدث مع سائق مبتدئ؛ فمع الذكاء الاصطناعي لا تقوم السيارة بجمع البيانات فحسب، وإنما تقوم بجمع الخبرات أيضا، لكي يتسنى لها تقييم الوضع وفق أفضل مقارنة لكل تجربة جديدة.

التدريب بدلا من البرمجة

أشار جين هسون هوانغ، مدير شركة نفيديا الأميركية، إحدى أكبر الشركات إنتاجا لمعالجات الرسومات وبطاقات العرض المرئي ومجموعات الشرائح للكومبيوتر في العالم، إلى أن الشعار الذي يتم رفعه الآن هو “التدريب بدلا من البرمجة”.

وبدلا من وضع برنامج لكل موقف، يتم تخزين تعليمات وهو ما يسمى بتعليم الآلة أو التعليم العميق، حتى تدرك السيارة ما هو العائق ومتى يمكن تجنبه، ومتى يجب التوقف قبله؛ حيث يتوجب على البرنامج أن يعرف الأنماط واستخلاص النتائج الصحيحة.

شركة نفيديا الأميركية تعتقد أن اعتماد برنامج لمعرفة الأنماط واستخلاص النتائج الصحيحة أثناء القيادة الآلية سيكون أفضل

وحاليا، ترغب الشركة المغذية لصناعة السيارات في تقديم وحدة تحكم مزودة ببطاقة من نفيديا ضمن الإنتاج القياسي، لكي تقوم بتحليل بيانات المستشعرات من الكاميرات والرادار والليدار أو مستشعرات الموجات فوق الصوتية للسيارة.

وحقن السيارات بهذه الأدوات سيمكن البرنامج الذي تحتويه من التعلم بنفسه، وبذلك يتم توفير القدرة الحاسوبية لأحد الكمبيوترات الفاخرة والمطلوبة لهذا الذكاء الاصطناعي في السيارات، وبالتالي فإن السيارة لا تكتفي بمراقبة الطريق فقط، بل إنها تفكّر وتتصرف حسب مختلف المواقف.

ولكن في الحقيقة لا يشاطر جميع الخبراء زومر هذا الرأي المتفائل؛ إذ يرغب كارلوس جوسون، مدير شركة رينو ونيسان، في عدم اعتماد أنظمة القيادة الآلية في السيارات على عقل السيليكون فقط، وبالتالي يجعل الأمر يقع في نهاية المطاف في اليد البشرية.

ويرغب اليابانيون في جعل البرامج ذكية بما يكفي لعدم الحاجة إلى التدخل البشري، ولكن قد يستغرق هذا سنوات عدة حتى يكتمل تعلم سيارة مثل مرسيدس الفئة أس، ويتكون لديها هذا التراكم من الخبرات، الذي يؤهلها لاتخاذ القرارات بنفسها.