تعمل مجموعة كبيرة من الباحثين في العديد من المراكز التقنية على تطوير تكنولوجيا اللمس منذ أكثر من 8 سنوات، فقد استطاع الباحث تيد أنديلسون بالتعاون مع نخبة من التقنيين في مجال علوم الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي ابتكار وتطوير تقنية جديدة تحت اسم “جيل-سايت” بمقدورها أن تلامس الأشياء فيزيائيا بطريقة تمكّن من معرفة شكل الأشياء على نماذج ثلاثية الأبعاد بالإضافة إلى تحديد درجة ملمس هذه الجسم من نعومة وخشونة.
وتتيح تقنية جيل-سايت لمصنّعي الروبوتات إمكانية معرفة ملمس الأشياء، فمجرد تزويد الروبوتات بهذه التقنية سيمكنها من مسك الأشياء بذراع آلية قادرة على تمييز ملمس الأشياء وتفاصيلها.
وأعلن العلماء عن ابتكاراتهم الجديدة بخصوص حاسة اللمس من خلال تقديم دراستين معمّقين في مؤتمر الأتمتة والروبوتات.
واستطاع فريق أنديلسون في إحدى هذين الدراستين توضيح آلية جمع المعلومات عبر هذه التقنية الجديدة بخصوص الشكل الثلاثي للأجسام ومدى نعومتها وتفاصيلها الشكلية، فبمجرد أن تلمس تقنية جيل-سايت الأشياء تشكل بيانات ومعطيات بخصوص الجسم يتم تزويدها لدماغ الروبوت لينتج ردة فعل بناء على ما يلمس.
دقة في التعامل
ونجاح العلماء في دمج قدرة اللمس وتحليلها على الروبوتات سيمكن من معالجة الكثير من المهام التي عجزت الروبوتات سابقا على التعامل معها في تقديم خدمات يومية تحتاج دقة في التعامل مع الأجسام وملمسها وكيفية نقلها ووضعها في المكان الصحيح وبشكل سليم دون كسرها.
وتمكن كبير الباحثين راس تيدراك الذي أشرف على الدراسة الثانية مع فريق من الباحثين، من تحويل قدرة الروبوتات على اللّمس وتحديد الأجسام إلى خطوة أبعد تتمثل في كيفية تعامل هذه الروبوتات مع الأجسام التي أمامها وكيف ستكون ردود الفعل تجاهها.
وهذا يعني أن الدراسة الثانية تركز على ما بعد معرفة شكل الأجسام وتحديدا كيف سيفكر الروبوت ليتعامل معها وذلك عبر تحليل هذه المعلومات لابتكار ردة فعل مناسبة انطلاقا من خاصية الذكاء الاصطناعي.
كانت الروبوتات قبل ابتكار التقنية الجديدة للّمس الأشياء عبر مجسّات على شكل كمّاشة، تقييم الشكل بطريقة بدائية ومخبرية يصعب استخدامها في الحياة اليومية
وتعتبر تقنية جيل-سايت عبارة عن مجسّ محاط بمادة جلاتينية أو مطاطية، وبمجرّد اقتراب هذا المجسّ من الجسم الغريب وملامسته لمادة الجل أو المطاط، فإن المجسّ سيحدّد حجم الضغط على الجسم وبالتالي تقدير ملمس سطح الجسم وشكله ثلاثي الأبعاد ومدى صلابته ومدى ليونته.
ويتمّ طلي هذا المجسّ بمادة معدنية (طلاء معدني لامع أو عاكس يعكس الضوء كما هو حال المرآة)، ويساعد هذا الطّلاء المجسّ على رسم تصوّر لشكل الجسم الذي يقوم بملامسته عبر انعكاس شكل الجسم على الطلاء نحو مستقبل إلكتروني مزوّد للمجسّ لمعرفة المزيد من التّفاصيل بخصوص الجسم الملموس. ويتضمّن المجسّ كاميرا عالية الدقة تتعامل مع تحليل شكل الجسم من الناحية المرئية لتدعم عملية تقدير ملمس الجسم ومدى دقة التفاصيل على الجسم الملموس.
ووقع تزويد يد الروبوت بهذه التقنية على شكل كماشة، وكل فكّ للكماشة يمتلك تقنية مطاطية تستطيع ملامسة الأشياء، بالإضافة إلى كاميرا عالية الدقة. ويأمل الباحثون من تطوير حاسة اللّمس إلى أبعد من مجرّد تحديد الشكل والتّفاصيل إلى كيفية التعامل مع هذا الجسم في حال قرّر الروبوت حمل الجسم ونقله ووضعه في مكان آخر، فما هي آلية هذه العملية وما هي الطريقة التي تمكّن الروبوت من القيام بكلّ هذه الأعمال بشكل سليم دون أن تؤثر على الجسم أثناء لمسه وحمله ونقله، وخصوصا إذا كان الجسم هشا فلا بد من لمسه بنعومة وحمله ووضعه بشكل هادئ.
وكانت الروبوتات قبل ابتكار التقنية الجديدة للّمس الأشياء عبر مجسّات على شكل كمّاشة، تقييم الشكل بطريقة بدائية ومخبرية يصعب استخدامها في الحياة اليومية. وهذه الطريقة تقوم على وضع الجسم المراد تحديد ملمسه وشكله على سطح مزوّد بمجسّات تحدّد مدى مرونته وصلابته بمجرد الضغط عليه.
وطوّر باحثون يابانيون في السّنوات السابقة، روبوتا يتمتّع بحاسة اللّمس، وبإمكانه نقلها إلى مستخدميه بواسطة جهاز تحكّم عن بعد، إلا أنه كانت حاسة بدائية ولم تعط نتيجة كافية. وبحسب الإعلام الياباني فإنّ الروبوت الذي طوّره فريق من الباحثين في جامعة كيو، جهّز بمستشعرات يمكنها قياس الضغط والحرارة والارتجاج، ويمكنه أيضا نقل ما يراه ويسمعه.
وسبق أن أعلنت مجموعة من الخبراء في جامعة ستانفورد عن اختراعهم لمادة بلاستيكية سمّيت الجلد الإلكتروني وذلك لمساعدة الروبوت على اللّمس، حيث يمكنها أن تتحسّس قوة الضغط التي تتعرّض لها، وتوليد إشارة كهربائية تقوم بنقل هذا الأثر الحسّي بشكل مباشر إلى الخلايا الحية لدماغ البشر وليس فقط الروبوتات.
وعملت زيانان باو كبيرة الباحثين في جامعة ستانفورد على مدى أكثر من 10 سنوات لابتكار هذه المادة التي تحاكي قدرات الجلد خصوصا المرونة والتحسس اللمسي الذي يمتلكها الجلد.
ولم تقتصر أبحاث باو على ابتكار مادة مرنة شبيهة بالجلد، بل أيضا تضمّنت أبحاثها كيفية جعل هذه المادة شبيهة بالجلد من الناحية الحسية. إلا أن كل هذه المحاولات لا تزال ضمن مراحل التطوير والبحث للارتقاء بهذه الحاسّة لتصل لمستوى قدرات البشر الفائقة على اللمس.
قدرة اللمس تساعد الروبوتات على التعامل مع الأجسام
وسار باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على نفس الطريق، حيث استخدمت وينزن يوان، طالبة دراسات عليا في الهندسة الميكانيكية وقائدة المجموعة البحثية التي أنتجت بحثا بدعم مجموعة أديلسون، قوالب صنع الحلوى لإنتاج 400 مجموعة من الأجسام السيليكونية تتكون من 16 جسما لكل مجموعة، تشابه الشكل الخارجي للجسيمات في كل مجموعة ولكن اختلفت درجات الصلابة، والتي قاستها يوان باستخدام مقياس معياري.
وقامت بعد ذلك بتعريض تلك الأجسام لجهاز الاستشعار جيل-سايت بطريقة يدوية وسجلت كيفية تغيير أنماط الاتصال مع مرور الوقت.
واستخدمت يوان لتوحيد وتنسيق البيانات وتحكّم أفضل في حجمها خمسة إطارات من كل مقطع فيديو متساوين في الفترة الزمنية، لكي تصف بالتحديد التغيير الذي طرأ على كل جسيم تم تعريضه لجهاز اللمس.
ونقلت في المرحلة النهائية البيانات إلى شبكة عصبية والتي بدورها تبحث تلقائيا عن الارتباطات التي تتشكل بين التغيرات في أنماط الاتصال وقياسات الصلابة.
وتوصلت إلى أن الإطارات التي استخدمتها ترى الفيديو على أنه مدخلات تتعامل معها ويُظهر بعد ذلك دقة عالية في قياس معدلات الصلابة. كما أجرت يوان سلسلة من التجارب غير الرسمية التي لامست فيها الفواكه والخضروات وصنفتها وفقا لدرجة الصلابة. وبالمقارنة بالروبوت المزود بجهاز استشعار اللمس “جيل – سايت” وجدت أنه حقق نفس نتائج التصنيف.
وجهات نظر معرقلة
أعلنت مجموعة روبوت لوكوموشن عن نتائج تجربتها الفعلية التي قامت بها المجموعة في وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية لتطوير تقنيات الروبوت “داربا”، التي تتسابق من خلالها فرق الأكاديميين والعاملين بالمجال لتطوير أنظمة التحكم التي من شأنها أن توجه الروبوت من خلال إصدار سلسلة من المهام الافتراضية.
ووفقا لهذه التجربة فإن الروبوت يستعين بنظام رؤية حاسوبي يمكّنه من معالجة الأشياء والتعامل معها في بيئته المحيطة. كما يمكن أن توفر هذه الأنظمة معلومات موثوقة جدا حول موقع الجسم المستهدف حتى يذهب الروبوت لالتقاطه.
ولكن في حال كان الجسم الذي يطلب من الروبوت التقاطه صغير الحجم، فإن هذا النظام سيغطي يد للروبوت، مما سيصعّب من عملية تحديد الموقع. وكانت هذه هي المشكلة التي واجهها فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خلال مسابقة وكالة “داربا” عندما التقط الروبوت الخاص بهم ثاقب الحائط الكهربي وقام بتشغيله.
ويقول غريغ إيزات، طالب دراسات عليا في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر وقائد المجموعة البحثية، “يمكنك أن ترى في الفيديو الخاص بنا في مسابقة وكالة ‘داربا’ أن الروبوت يستغرق دقيقتين أو ثلاث دقائق لتشغيل الثاقب الكهربائي. كان الأمر سيكون رائعا لو كان لدينا تحديث مباشر ودقيق لتقدير موقع الثاقب ومدى قرب يد الروبوت له”.
تكنولوجيا “جيل – سايت” ستؤثر تأثيرا كبيرا في مجال تكنولوجيا الروبوتات، فالاستشعار عن طريق اللمس يعزز من البراعة اليدوية عند البشر، والروبوتات الحالية تفتقر لهذه البراعة
ولجأت مجموعة روبوت لوكوموشن نتيجة لذلك إلى استخدام تقنية “جيل – سايت” حيث صمم إيزات ومعاونوه في فريق مجموعة تيدريك، وهو بروفيسور شركة تويوتا للهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر والطيران والملاحة الفضائية، والهندسة الميكانيكية؛ وأديلسون، خوارزميات تحكّم تستخدم نظام رؤية حاسوبي لتوجيه اليد القابضة للروبوت نحو الجسم المراد لمسه، ثم إسناد مهمة تقدير المكان إلى جهاز استشعار اللمس “جيل – سايت” بمجرد أن يحمل الروبوت الجسم بين يديه.
وظهر التحدي الوحيد في اتّباع هذه الطريقة في إمكانية الربط والتوفيق بين البيانات التي ينتجها نظام الرؤية والبيانات التي تنتجها أجهزة الاستشعار عن طريق اللمس. وبما أن جهاز “جيل – سايت” يحتوي على كاميرا موجهة على الجيل من الداخل، لذلك كان من السهل دمج ناتج البيانات الخاص به مع البيانات البصرية مقارنة بأيّ أجهزة استشعار لمس أخرى.
وتمثلت تجربة إزات في إعطاء أمر للروبوت للإمساك بمفك صغير وإزالته من فوق حامل، وإعادته لمكانه مرة أخرى. وبطبيعة الحال، لا تصف البيانات الناتجة عن جهاز استشعار اللمس “جيل – سايت” شكل المفك بالكامل، ولكن مجرد جزء صغير منه. ولكن وجد إزات أنه طالما كان التقدير المبدئي لنظام الرؤية بالنسبة إلى موقع المفك دقيقا فإنه يمكن للخوارزميات استنتاج أيّ جزء من المفك يمسكه جهاز الاستشعار “جيل – سايت” وبالتالي تحديد وضع المفك في يد الروبوت.
ويقول سيرغي ليفين، أستاذ مساعد في الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا في بيركلي “أعتقد أن تكنولوجيا “جيل – سايت” فضلا عن أجهزة استشعار اللمس الأخرى ذات عرض النطاق العالي، ستؤثر تأثيرا كبيرا في مجال تكنولوجيا الروبوتات.
فالاستشعار عن طريق اللمس من ضمن أحد الحواس والعوامل الرئيسية التي تعزز من البراعة اليدوية عند البشر. وتفتقر الروبوتات الحالية إلى هذا النوع من البراعة وتتمتع بقدرات محدودة على التفاعل مع السمات السطحية للأشياء عند الحاجة لمعالجتها. يمكنك أن تتخيل أنك تتحسّس طريقك في الظلام لتضغط على مفتاح الضوء، أو أنك مثلا تستخرج شيئا ما من جيبك، أو تقوم بكل تلك الأفعال العديدة دون الحاجة حتى إلى التفكير. كل هذه الحركات تعتمد في الأساس على حاسة الاستشعار باللمسم”.
وأضاف “يتلاءم برنامج التشغيل الآن وقدرات أجهزة الاستشعار. يمكن لخوارزميات تعلم الآلة، المستوحاة من ابتكارات التعلم العميق ورؤية الكمبيوتر، معالجة البيانات الحسية التي تنتج عن أجهزة الاستشعار مثل “جيل – سايت” واستخدامها لاستنتاج خصائص هذا الجسم”.
وتابع ليفين “في المستقبل، سوف نرى هذه الأنواع من أساليب التعلم مرتبطة بشكل وثيق بتعزيز مهارات المعالجة المتبادلة بين الطرفين،الأمر الذي سيزيد من قدرة وبراعة الروبوتات، وربما سيساعدنا على فهم أعمق لحاسة اللمس والتحكم في المحركات الخاصة بنا”.