ادخلوا كندا بسلام آمنين

شكراً لك أيها البحر الذي استقبلتنا بدون فيزا ولا جواز سفر، شكراً للأسماك التي ستتقاسم لحمي ولن تسألني عن ديني ولا انتمائي السياسي، شكراً لقنوات الأخبار التي سوف تتناقل خبر موتنا لعدة دقائق وينتهي الأمر، شكراً لكم لأنكم ستحزنون علينا عندما تسمعون الخبر ،… هذه رسالة كنت قد افتتحت بها إحدى مقالاتي القديمة لنازح سوري هرب من جحيم القصف مهاجراً عن طريق البحر، لكن سرعان ما أدركه الموت قبل أن يصل.. هرب من موت إلى موت ، والذي دفعني أن استدعي هذه الرسالة هو ما قرأته لقاضية كندية كانت تنظر فى قضية بعض المهاجرين السوريين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية ليعلم الجميع حجم المأساة التى مر بها هذا الشعب بين النزوح والقتل براً وبحراً منذ بداية الثورة وحتى الأن ،ونرى كيف أن الله قد يسخر لك من ليس من بني جلدتك وقت الشدة ليقف بجانبك ويعاملك بانسانية دون النظر لدينك وعرقك وجنسيتك.

وقف المهاجرين في المحكمه ينتظرون حكم القاضية الكندية بترحيلهم خارج البلاد كما هو متوقع لكن ما حدث كان غير ذلك ،فالموقف كان انسانياً بحتاً تجلت فيه أسمى معاني الرحمة والشفقة، وكأن ملاكاً يتكلم وليس بشراً فقد خالف كلام القاضية كل التوقعات فقالت ما لم نسمعه من حاكم عربي أو داعية إسلامي، نظرت اليهم بعين الرحمة ولم تجلدهم بسوط المعايرة لما حدث ببلادهم كما فعل معهم أبناء دينهم ودمهم ولم تقل لهم ” لماذا أتيتم إلى هنا تزاحمون أوطاننا وتقتسمون أرزاقنا”، بل أعطتهم الجنسية الكندية ثم قالت الآتى :

“أيها السيدات /والسادة ..نحن نعلم الرحلة الصعبة التي قطعتموها؛ والأوطان الغالية التي خرجتم منها طمعاً بمصير أفضل، لتستقروا في هذا البلد الرائع…أيها الناس نحن فخورون بكم فقد دخلتم هذه القاعة مهاجرين، وسوف تخرجون منها مواطنين مثلي لا أتميز عنكم بشئ .. أقول لكم: ادخلوا هذا البلد بسلام آمنين .
اعتنقوا الدين الذي به تؤمنون .. تنقلوا واعملوا في أي مكان تحبون .. وادخلوا البلد وغادروه في اللحظة التي ترغبون .. تعلموا قول الحق والعمل به ولاتخشوا في ذلك لومة لائم وعلموا أولادكم ذلك، علموهم محاربة كل ألوان التمييز العنصري كونوا حريصين على ذلك.
‏‏ثم ختمت حديثها قائلةً : والآن قوموا فليسلم بعضكم على بعض فلقد أصبحتم بفضل القانون الكندي إخوة”.

حين يحتكم الإنسان إلى ضميره يرشده الى العدل والصواب وإنصاف المظلوم ،وحين يصغي إلى صوت فطرته تسمو به الى أرقى مراتب الرحمة والإنسانية ،وحين يكون إنصافه من قلبه يرى الحق وإن بعد عنه مسافات ببصيرة لا تخطئ، ما الذى قدمناه كعرب للسوريين هل حقاً رددنا الجميل لهم ؟؟ وإذا كانت ذاكرتكم نسيت فالتاريخ لا ينسي .

ففى عام 1615 دافع السوريون عن العلويين من بطش الخليفة العثمانى سليم الأول حين أراد أن يبيدهم عن أخرهم وتوسطوا لخروجهم الآمن دون أذى، احتضنت سوريا اللاجئين من الشركس 1860،واللاجئين الأرمن عام 1914 ،واللاجئين من فلسطين عامي 1948.و1967 وفى حرب الخليج عام 1990 استقبلت كثيراً من الكويتيين، وفى عامى 1996و2006 احتضنت اللاجئين من لبنان ،وفى عام 2003 استقبلت الأخوة العراقيين، لم تغلق أبوابها يوماً بوجه نازح أو لاجئ أو هارب من بلده, لم تطلب يوماً تأشيرة دخول من عربي ،يريد الزيارة أو السياحة .
لم تنصب فيها خيمة واحدة لنازح أو مشرد أو طريد من بلده، بل فتحت أبوابها على مصراعيها للجميع ولمت شملهم بأخوة وحب !.لكن ماذا حدث لهم فى محنتهم ؟؟ رفضهم كثير من العرب باستثناء عدد محدود منهم دخلوا في بداية الثورة ثم اغلقت كل دولة حدودها في وجوههم، ركبوا البحر هرباً من القصف فغرقوا ولم يعول عليهم أحد ،رضوا بالواقع وبقوا في بلادهم فتحولوا الى تراب وعظام تحت الأنقاض ،وقفوا على الحدود يستجدون المرور والمعاملة الحسنة فلم يجدوا من يحن عليهم، عبست لهم الوجوه وكشرت عن أنياب الكراهية دون سبب ،تاجر بهم الساسة واقتاتوا على مآسيهم ،لم يبق أحد إلا وأوغل خنجر الغدر فى قلوبهم ،تركوا طاغية الشام يقتل ويقصف بغطاء حماية روسي ومباركة خليجية واضطهدوا اللاجئين فى كل مكان ذهبوا إليه
واآسفاه على هذا الشعب الطيب والبلد المبارك الذى قال الرسول عنهم (إذا فسد الشام فلا خير فيكم ) وقال أيضاً (إذا وقعت الفتنة فالايمان بالشام ) انهارت سوريا وضاع العراق بألحان عبرية وأموال نفطية ومباركة دولية!! والبقية سوف تأتى ولن تسلم دولة عربية من الشر المتطاير الذى انفحر بسوريا ،خذلكم العرب لكن خذلانهم يعيبهم ولا يعيبكم فلا يخذل سادة في محنة إلا عبيداً في نعمه وأنتم السادة وهم العبيد .

أضف تعليق