(مرآة سوريا – متابعات) عندما قُتل قائد الجناح العسكري لميليشيات حزب الله، عماد مغنية، في حادث تفجير، في حي راقٍ بالعاصمة السورية، دمشق، راح حسن نصر الله، يُرْغِي ويُزْبِدُ، مهددًا إسرائيل بأبواب الجحيم التي ستفتح عليها؛ لكن مرت السنوات، بأحداثها الساخنة، لاسيما سلسلة الاغتيالات التي طالت قادة بارزين في ميليشياته (يتصدرهم، حسان اللقيس وجهاد مغنية المقرب من قائد فيلق القدس، وقاسم سليماني، وآخرون) دون أن يحرك ساكنًا.
غير أن حسن نصر الله، واصل خطبه الرنانة في العديد من المناسبات الدينية والسياسية، التي لم تخلُ من إطلاق التهديدات لإسرائيل، وإعلانه الدفاع المستميت عن القضية الفلسطينية، وهو خطاب مستمر منذ توليه أمانة حزب الله عام 1992؛ إثر اختفاء الأمين العام السابق للحزب عباس الموسوي؛ حيث كانت عملية الاختفاء فاتحة خير على حسن نصر الله، بعدما أصبح المتحكم في مفاصل الحزب (ماليًا، وعسكريًا).
لكن تهديدات حسن نصر الله لـ”إسرائيل”، التي يصفها المراقبون بـ”الجوفاء”، باتت مقصورة على الجلسات التي يستعرض خلالها عناصر حزبه في الضاحية الجنوبية لبيروت، مختفيًا في خندق محصن، يطلق منه عبارته النارية التي تعكس خطابًا كاذبًا لدغدغة مشاعر البعض، الذين سرعان ما تكشفت لهم حقيقة بطولاته الكرتونية، وشعاراته الزائفة، التي تترجم حقيقة الأجندة الإيرانية فيما يتعلق بفلسطين، ونصرة القدس وفقا لموقع عاجل.
آخر فضائح حسن نصر الله قائد الجهاد الإيراني الزائف ضد إسرائيل، تبدى في مطالبته للشباب العربي بالتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر.. فيسبوك) ردًا على قرار ترامب بشأن نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مما أثار حالة من الغضب الممزوجة بالسخرية من رد فعل زعيم ميليشيات حزب الله، الذي يواصل المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وضمن خطة الترميز المشتركة التي أسهمت فيها إيران، وإسرائيل معًا، خاض حسن نصر الله معركة واحدة ضد إسرائيل (يوليو عام 2006) ورط خلالها لبنان في حرب من أجل مجده الشخصي، وعلى مدى 34 يومًا قدم (بحسب مراقبين سياسيين) أكبر خدمة تريدها “إسرائيل” داخليًّا وخارجيًّا, التي حصنت شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة بقوات حفظ السلام الدولية (اليونيفيل) وأغلقته في وجه عمليات المقاومة الفلسطينية، ضد العمق الإسرائيل.
وفي ظل علاقات إسرائيلية (مباشرة، وغير مباشرة) ردت إسرائيل الجميل لطهران، بتخفيف ضغوطها المتعلقة بالمشروع النووي الإيراني، قبل التوصل لاتفاق بين إيران والقوى الدولية، فيما لم يكف حسن نصر الله، عن تأكيد ولائه لنظام “ولاية الفقيه” الإيراني، بصورة تفوق حديثه على ولائه للدولة اللبنانية، التي يواصل الدفع بها في التهلكة.
وفي سياق، اختطاف القرار اللبناني، وتحويلها لـ”ولاية إيرانية” عبر إخضاعها للسيطرة الإيرانية؛ عبر إحكام قبضته على مقدرات البلاد (عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا) عبر الدعم الذي يتلقاه حزب الله من طهران، وسط اعتراف إيراني رسمي بدعم الميليشيات العاملة في المنطقة، الذي أكده مؤخرًا قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري.
وباعترافه شخصيًا، أكد حسن نصر الله (عام 2012) بالدعم المالي الذي تقدمه إيران لحزبه، موضحًا أن “موازنة الحزب ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه وصواريخه تأتي من طهران، وأن الدعم لا يصل عبر المصارف اللبنانية، تمامًا, كالطريقة التي يصل بها الدعم العسكري- الصواريخ متعددة المدى- من إيران”.
ويسير حسن نصر الله في توجيه سياسيات الحزب على بوصلة الحرس الثوري الإيراني، لاسيما قوات النخبة فيه، ممثلة في “فيلق القدس” الذى يقوده رجل طهران النافذ، قاسم سليماني، فكلاهما يبنى خطابه على ملف مواجهة إسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية، دون أي تحرك على الارض، يؤكد واقعة التصريحات الصادرة في هذا الشأن.
وتعتمد استراتيجية إيران التي ينفِّذها رجلها القوي في إدارة العمليات الخارجية (العسكرية.. الأمنية.. الاستخباراتية)، قاسم سليماني، على الاستعانة بحلفاء إقليميين (تتصدرهم ميليشيات حزب الله)، ينتمون إلى بيئتهم الجغرافية والثقافية، حتى تكون لديهم القدرة على ممارسة تنفيذ ما يُطلب منهم من أعمال عسكرية- أمنية في مناطق وجودهم بعد تلقي الخبرات التدريبية والدعم (المالي- التسليحي)، من حليفهم الإيراني؛ للضغط على القوى الدولية من أجل حماية مشروعها النووي.
ويتولى “سليماني” (بأمر مباشر من علي خامنئي)، مسؤوليةَ تنسيق الدور الإيراني في: لبنان، والعراق، وأفغانستان، وفلسطين، واليمن، وليبيا والسودان، كما أُوكلت له منذ منتصف عام 2010 مسؤولية التنسيق المباشر وغير المباشر (عبر منظمات وحركات فلسطينية)، ويتبع “فيلق القدس”، الذي يتولاه قاسم سليماني، لقوات الحرس الثوري الإيراني (الباسداران)، وهي الميليشيا الدينية التي تضم- أيضًا- قوات التعبئة العامّة (الباسيج)، المجهّزة بقوات برية وبحرية وسلاح الجو والاستخبارات الخاصة به، علاوة على القوات الخاصة (90 ألف عنصر عامل.. ما يقرب من 300 ألف جندي احتياطي)، معظم عناصره يستخدمون واجهة مدنية لتحركاتهم خارج إيران.
ويوجِّه “فيلق القدس” موازنته الضخمة إلى دعم العمليات والأنشطة الضخمة لإيران في المنطقة العربية وخارجها، وتحظى ميليشيات حزب الله في لبنان بالنصيب الأكبر؛ حيث يتكبد الاقتصاد الإيراني شهريًّا أكثر من مليار دولار أمريكي بسبب أنشطته المتعددة، التي تشرف عليها “خلية قيادية” تتولى عمليات التنسيق وتدريب الميليشيات والمنظمات والمجموعات العسكرية، على مهام القيادة والسيطرة في الدول المستهدفة.
ويتم تدريب قيادات الصف الأول التي يجري اختيارُها وفق معايير غاية في التعقيد بمعسكرات إيرانية (أشهرها معسكرات: أمير المؤمنين.. قاعدة الإمام علي العسكرية.. قاعدة باهنر، على أطراف العاصمة طهران)، حيث يتولى عملية التدريب مستشارون عسكريون وأمنيون إيرانيون، مهمتهم تأهيل هذه العناصر على حرب العصابات وقتال الشوارع، واستخدام الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وعمليات التفجير والاغتيالات، فضلًا عن تأهيلهم وتثقيفهم عقائديًا (بعيدًا عن أي تناقضات شيعية- سنية تضر بالمخطط)، كما تتم تعبئة آلاف المقاتلين الشيعة للقتال في ساحات المعارك المفتوحة، في محاولة لتغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط لصالح النظام الإيراني.
ويُعَدُّ فيلق القدس بمثابة الميليشيا وجهاز الاستخبارات الأهم داخل منظومة الحرس الثوري، وفيما يرفع شعار “تحرير فلسطين” إلا أن الدور المشبوه الذي يقوم به منذ سنوات، لاسيما الفترة التي تزامنت مع موجة الثورات العربية (الربيع العربي)، كشف عن حقيقة الدور الذي يلعبه في المنطقة العربية، عبر: جمع المعلومات، وتنفيذ عمليات خاصة، وتهريب الأسلحة، ودعم أنشطة سياسية لتمدد النفوذ الإيراني، وهي المهام التي لعب خلالها حزب الله دورًا مهمًا، كقيادة متقدمة للأنشطة الإيرانية.
ومع أن قوات “فيلق القدس” تأسست مطلع الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية مع العراق لدعم الأكراد في مواجهة الرئيس الراحل صدام حسين، فقد تولت لاحقًا المهام السرية الخارجية الموكلة للقوات الحرس الثوري الإيراني، ورغم أنه يُعَدُّ من الناحية التنظيمية جزءًا من القوات المسلحة؛ لكنه يتمتع بقيادة مستقلة تتلقى أوامرها من مرشد الثورة الإيرانية.
ورغم تتابع القيادات على قوات الحرس الثوري (محسن رضوي.. يحيى رحيم صفوي.. اللواء محمد علي جعفري…)، إلا أن “فيلق القدس” حافظ على خصوصيته وصلاحياته الواسعة، لاسيما أن أبرز قادته السابقين يتحكمون في مفاصل الدولة الإيرانية، بينما تتكفل أنشطته الاقتصادية التي تقدَّر بمليارات الدولارات (مجالات النفط والغاز.. البنية التحتية.. قطاعات إنتاجية وخدمية) بالهيمنة على الداخل الإيراني.
ونجحت قوات الحرس الثوري (بمشاركة من حزب الله) في تغيير عقيدة منظمات وفصائل جهادية في فلسطين، لتتحول هذه المنظمات والحركات من مواجهة المحتل الصهيوني لمواجهة الداخل العربي (الوقائع في مصر وسوريا نموذجًا)، وكان الإرهابي “قاسم سليماني” حاضرًا بقوة في هذا الشأن؛ حيث لعب دورًا محوريًّا في توطيد علاقة إيران مع حركات وفصائل المقاومة في قطاع غزة، خاصة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويتم هذا بتعاون كامل بين فيلق القدس ووزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية (16 جهازًا للأمن والاستخبارات تتبع وزارة الاستخبارات.. استخبارات الحرس الثوري.. مخابرات الجيش.. استخبارات الشرطة)، التي تعمل تحت إشراف مجلس تنسيق المعلومات (أعلى هيئة استخبارية في إيران)، برئاسة وزير الاستخبارات محمود علوي؛ حيث تدعم الوزارة أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني لاسيما “مكتب التضليل”، المعني بشنّ حرب نفسية ضد أعداء إيران، وكذلك فيلق القدس الذي يدير العمليات الخارجية.
ويرى خبراء سياسيون أن حسن نصر الله “أهم من خدم إسرائيل” ذكر ضابط استخبارات إسرائيلي، أن العلاقة بين إسرائيل وحزب الله غير مشروطة بوجود المنطقة الأمنية، ولذلك قامت إسرائيل برعاية العناصر الشيعية في الحزب وخلقت معهم نوعًا من التفاهم للقضاء على الوجود الفلسطيني والذي هو امتداد للدعم الداخلي لحركتي حماس والجهاد”، وقد أثبتت التسريبات التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي السلوك الباطني لـ”نصر الله” الذي يصرخ في العلن: “لن نتخلى عن فلسطين ومقدساتها وشعبها”، بينما يبلغ مسؤولين أمريكيين في لقاء جمعهما أن فلسطين لا تعنيه وأن الحدود مع إسرائيل تنعم بالهدوء والسكينة.
ولم يكن بمقدور حزب الله مواصلة هذه السياسة المتناقضة في وجود قيادات داخل الحزب تؤمن بضرورة مواجهة حزب الله، لذا تورط “نصر الله” في عمليات اغتيال لبعض قادة حزبه، وسوّق لها على أن “إسرائيل” هي التي قامت باغتيالهم، واستغل ذلك لإبراز أن تنظيمه مستهدف من قبل المخابرات الصهيونية ليؤكد وجود العداء بين الطرفين.
ودللت نتائج تحقيقات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وجود ارتباطات بين حسن نصر الله وعمليات اغتيال شهدتها لبنان (رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري.. سمير قصير.. جورج حاوي.. جبران غسان تويني…”، وسقط في هوجة الاغتيالات نفسها الرجل القوى في حزب الله، حسان اللقس، وقبله عماد مغنية (الذي كان يمتلك التفاصيل الكاملة حول مقتل هادي النجل الأكبر لحسن نصر الله في أحد الملاهي الليلة في بيروت، قبل نقله إلى الضاحية الجنوبية بحجة مصرعه أثناء اشتباك بين عناصر الحزب مع إسرائيل!!