(متابعة – مرآة سوريا) هل يُخطِّط بوتين لسحب قواته كجزءٍ من الجهود الدبلوماسية المبذولة في جنيف، أم يُخطِّط لتركها في سوريا حتى يعرف نتائج المباحثات التي انسحب منها رجال النظام ليعودوا إليها مُجدَّداً يوم الأحد، 10 ديسمبر/كانون الأول؟ وهل ستنهي روسيا رقابتها على مناطق خفض التصعيد (المناطق الأمنية) في جنوبي ووسط سوريا، أم ستستمر في تأدية هذه المهام وفقاً للمبادئ التوجيهية المُتفَق عليها مع الولايات المتحدة، وإيران، وتركيا؟
مجموعة من الأسئلة طرحتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تقرير لها، رصدت النبأ العظيم الذي زفَّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجنوده في قاعدة حميميم الجوية، شمالي سوريا، يوم الإثنين، 11 ديسمبر/كانون الأول، عندما قال لهم: “أصدقاؤكم ووطنكم في انتظاركم”.
لكن هآرتس ترى أن هؤلاء الجنود لا يعرفون بعد متى يمكنهم البدء في حزم أمتعتهم، أو بصورة أساسية، كم منهم سيغادرون.
فلم يفصح بوتين في إعلانه عن شروط انسحاب القوات، أو نطاقه، أو تاريخه، لذا يمكن افتراض أنَّ الخطة لا تتضمَّن التخلي الكامل عن سوريا، بل خفض الوجود الروسي جزئياً.
وسوف يستمر وجود القوات الروسية في المناطق الحرجة كما هو، لتتمكَّن من الإشراف على المناطق الأمنية والحدود الشرقية للبلاد، وفقاً للصحيفة الإسرائيلية.
ومن المُقرَّر أن يعقد المنتدى حول المناطق الأمنية، الأسبوع المقبل، في العاصمة الكازاخية أستانا مناقشاتٍ بخصوص الترتيبات الخاصة بعمليات التفتيش، وكيفية تقسيم المسؤولية بين روسيا، وإيران، وتركيا.
وبالنظر إلى إعلان بوتين، غالباً ما سيكون هذا الاجتماع شديد الأهمية لإسرائيل، لأنَّها تريد رؤية ما إن كان بوتين يستطيع إقناع الإيرانيين بنقل قواتهم شرقاً بعد خط الـ25 كيلومتراً جنوبي سوريا. وفي الوقت نفسه، تريد تركيا موافقة روسيا على السماح لقواتها بتعميق سيطرتها على شمالي سوريا، حتى تتمكَّن من عرقلة توسيع المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، وهي قضيةٌ من المُتوقَّع أيضاً مناقشتها في أستانا، حسبما ذكرت الصحيفة الإسرائيلية.
التعبير الذي اختاره بوتين
وحول مدى جدية بوتين بتنفيذ قراره القاضي بسحب قواته، ترى الصحيفة أن التزام بوتين بمهاجمة الجماعات الإرهابية، إذا أقدموا على فعل أي شيء، يوضِّح أنَّه لا يُخطِّط لمغادرة الساحة العسكرية، أو تغيير استراتيجيته التي حوَّلَت ميزان القوى لمصلحة بشار الأسد.
وتتابع: “لكنَّ الانسحاب -ولو جزئياً- قد يجعل إصراره على مغادرة جميع القوات الأجنبية سوريا أمراً مشروعاً، خاصة القوات الأميركية والتركية التي لا تتمتع بشرعية القوات الروسية والإيرانية التي دعاها الأسد”، بحسب تعبير الصحيفة.
ومما يُعزِّز هذا التعبير الذي اختاره بوتين: إنَّ القوات الروسية قد هزمت معظم قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ولذلك فإنَّ الولايات المتحدة، التي برَّرَت تورُّطها العسكري في سوريا بأنَّه حرب ضد تنظيم داعش، ليس لديها الآن سبب لوجودها في سوريا.
كان رد فعل البنتاغون مُتشكِّكاً. فوفقاً لما نقلته وكالة رويترز، قال المُتحدِّث باسم وزارة الدفاع الأميركية: “لا تتطابق التعليقات الروسية حول سحب قواتها في كثير من الأحيان مع الخفض الفعلي للقوات، ولا تنطبق على الأولويات الأميركية في سوريا”.
ولا ترى هآرتس أن نجاح روسيا في ميزان القوى لصالح الأسد هو الذي سيلعب دوراً رئيسياً في الحملة الانتخابية الروسية، في مارس/آذار، بل إن ما يلفت النظر بشكلٍ خاص هو الطريقة التي استبعدت روسيا بها الولايات المتحدة من المشهد، وغزلت نسيجاً معقداً من مواقع وقف إطلاق النار سمح لها بإنشاء مناطق أمنية.
لكن هذا الإنجاز، من وجهة نظر الصحيفة، سيواجه صعوبةً في البقاء قائماً دون مظلة عسكرية تشرف على حظر الهجمات في المناطق الأمنية، مع الاستمرار في مقاتلة معارضي النظام المصنفين بأنَّهم جماعاتٌ إرهابية. ولتحقيق كلا الهدفين، سيحتاج النظام إلى قواتٍ روسية كبيرة، وخاصة القوات الجوية.
كيف تريد روسيا تقاسم سوريا مع إيران؟
بعد هذا الإعلان الرسمي ترى الصحيفة الإسرائيلية، أن روسيا ستضطر لأن تُقرِّر كيف تريد تقاسم سوريا مع إيران، حيث تفترض إسرائيل والولايات المتحدة أنَّ طهران ستسعى إلى استغلال الانسحاب الروسي لزيادة عدد القواعد العسكرية في البلاد، وإرسال عدد كبير من المقاتلين.
ولكن هذا ليس السيناريو الوحيد الممكن من وجهة نظر هآرتس، حيث لا تتسابق روسيا وإيران على فوز إحداهما في سوريا، ولا تتنافسان على تفضيل الأسد الذي يعتمد كليةً على كل منهما. ففي أي اتفاق دبلوماسي بشأن مستقبل سوريا، غالباً ما يُعزز وضع الديكتاتور السوري، على الأقل في المدى القصير. والسؤال هو: كيف ستقسم الغنائم الاقتصادية والدبلوماسية بين روسيا وإيران. لا تستطيع أي من القوتين إجبار الأخرى على الانسحاب من الساحة، فكلاهما له مصلحة في استقرار البلد، ومنع إنشاء مقاطعاتٍ خاصة.
وتجيب الصحيفة على هذا التساؤل بالقول: “يعتمد تحقيق هذا الهدف على الاتفاقات التي ستتوصَّل إليها إيران وروسيا، وليس على نزاعٍ عسكري يهدف إلى السيطرة الإقليمية لأحد البلدين، الذي سيتطلَّب الاحتفاظ بالقوات في سوريا لفترةٍ طويلة، وهو ما لا يريده أيٌّ منهما”.
وتتابع: “وعلاوة على ذلك، فإنَّ كلاً من إيران وروسيا لديهما خبرة في تحقيق النفوذ في بلدان أخرى بالوسائل الاقتصادية والدبلوماسية، وليس بالضرورة القوة العسكرية”.