(متابعة – مرآة سوريا) في زاوية بمحل لبيع المواد الغذائية العامة بمدينة بوقاعة 320 كلم شرق العاصمة الجزائر، يقف عبد المنعم يتأمل في رف كان يقصده بشكل متكرر لشراء نوع من “البسكويت” الخالي من مادة الغلوتين.
الظاهر أن زوجته سليمة وابنته ساجدة ذات الست سنوات والمصابتين بمرض امتصاص الأمعاء، ستعانيان مستقبلاً، لأن هذا البسكويت الذي يحبونه نظراً لفوائده الصحية عليهما، وعدد من المواد التي كانت تأتي من وراء البحار قد بدأت بالاختفاء من المحلات والمراكز التجارية، بقرار من الحكومة الجزائرية.
من الخطأ يقول عبد المنعم لهاف بوست عربي “أن يتم إدراج هذا النوع من الخبز والبسكويت، ضمن قائمة الحلويات الممنوعة من الاستيراد، لأن المصابين بهذا النوع من الامراض يعتبرونه غذاء ودواء في نفس الوقت”.
والأمر هنا لا يتعلق بالمواد الغذائية الخالية من الغلوتين فقط، فهناك مئات المواد منعت الحكومة استيرادها بداية من 01 يناير/كانون الثاني 2018.
أكثر من 1000 مادة
الحكومة الجزائرية وضعت قائمة من 900 مادة ستغيب عن السوق الوطنية الجزائرية بداية من 01 يناير/كانون الثاني 2018.
وجاء منع منح رخص استيراد هذه المواد وفق مرسوم تنفيذي صدر بالجريدة الرسمية الجزائرية، ويقدم بالتفصيل قوانين الاستيراد المعدلة والمتممة، مع وضع لقائمة المواد التي يمنع استيرادها.
وتشمل هذه القائمة الفواكه بأنواعها باستثناء الموز، والخضر بأنواعها باستثناء الثوم، والأجبان وكل اللحوم بأنواعها باستثناء لحوم الأبقار، والمياه المعدنية واللبان (العلك) والحلويات والشكولاتة والأسمنت وكذا المواد البلاستيكية ومواد أخرى.
العدد المقدم من قبل الحكومة في نظر الخبير الاقتصادي فارس مسدور في تصريح لهاف بوست عربي “غير صحيح، وعدد المواد الممنوعة من الاستيراد يتعدى الألف مادة منها ما له علاقة بالاستهلاك اليومي للمواطنين”.
وكانت قنوات خاصة جزائرية قد عرضت قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، عملاً بتعليمات الحكومة الأخيرة.
حماية للمنتوج المحلي
طمأن وزير التجارة محمد بن مرادي المواطنين الجزائريين بشأن الخطة الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ بداية العام الجاري 2018، واعتبرها نظرة مستقبلية للرفع من مستوى الاقتصاد في الجزائر، وتحسين المنتوج المحلي.
الوزير اعتبر ” نظام الرخص الذي كان يشمل 4 مواد في 2016 وتوسع إلى 22 مادة في 2017، أثبت محدوديته، وكان محل انتقادات كثيرة من قبل المتعاملين وكذا الشركاء الأجانب، وتسبب النظام في مشاكل في التموين ببعض المواد والمنتجات خاصة أغذية الأنعام وكذا الحطب”.
بن مرادي لم يخف فشل الخطة الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة في بعض المجالات، إذ أكد أن هناك “بعض المؤسسات توقفت عن العمل بسبب تراجع التموين في السوق، إضافة إلى الارتفاع الذي عرفته أسعار بعض المواد المستوردة” مشيراً إلى “أن رخص الاستيراد خلقت عدة مشاكل وانعكس ذلك على الأسعار، بسبب عدم الشفافية والبيروقراطية”.
إقرار نظام الاعفاء من رخص الاستيراد باستثناء المواد الممنوعة في نظر وزير التجارة سيحسن من مداخيل الخزينة العمومية، فمثلاً ” قيمة الواردات لم تتراجع سوى بملياري دولار إلى 45 مليار دولار في 2017، مقابل 47 مليار دولار العام 2016، مع تسجيل عجز تجاري يقدر بـ 10 مليارات دولار”.
قرار متسرع وغير مدروس
الخبير الاقتصادي فارس مسدور يلوم الحكومة الجزائرية بسبب تسرعها في تطبيق إجراء إلغاء الرخص ومنع استيراد مئات المواد الاستهلاكية، واعتبر أن الوقت لم يحن بعد لتطبيق هذا الإجراء.
فارس مسدور يقول لـ”هاف بوست عربي” “الجزائر لا تملك دراسة شاملة لواقع السوق الوطنية، وهي لا تملك قائمة حقيقية للمنتجات المستوردة ولا تلك المصنعة محلياً، وبالتالي فقرار منع استيراد المواد وإلغاء رخص جلب بعض السلع من الخارج متسرع وغير مدروس”.
ويضيف “أتحدى وزارة التجارة، والحكومة عامة إن كانت تملك قائمة منقحة لعدد المنتجين الجزائريين والمواد المصنعة محلياً، وأنا على علم أن مسؤولي التجارة اعتمدوا على أرقام عامة في غالبها ليست صحيحة، وبالتالي لا يجب اعتمادها في مثل هكذا خطوات”.
محمد نجار تاجر بالجملة والتجزئة، يؤكد لـ”هاف بوست عربي” أنه متخصص في تسويق المنتوجات الصحية، خاصة المعنية بمرضى السكري والأمعاء، وأغلب هذه المواد يقول “تأتينا من الخارج، وقد تم إدراجها ضمن الممنوع استيرادها، لذا فالكثير من العائلات والمرضى سيتضررون من هذا القرار غير المدروس”.
وهو ما أكده المواطن عبد المنعم بثقة، حيث يرى “بأن قرار الوزارة غير مدروس بدقة، وكان على الوزير تشكيل لجنة لدراسة وضع السوق والتفريق بين المنتجات، قبل تحديد القوائم النهائية”.
احتكار متوقع ولهيب في الأسعار
منع استيراد المواد المحددة من قبل الحكومة في الجزائر يتوقع خبراء ومتتبعون للشأن الاقتصادي الجزائري أنه سيعود بالسلب على المواطنين خاصة أصحاب الدخل الضعيف والذين يشكلون نسبة الـ80% من سكان الجزائر.
ويرى الخبير الاقتصادي فارس مسدور أن قلة إنتاج تلك المواد الممنوعة من الاستيراد، ستجعل من المصنعين المحليين يحتكرون المنتوج، وبالتالي سيصل الى عامة الشعب أضعاف الاسعار التي ألفها، عكس ما كانت تخلقه المنافسة سابقاً بين التجار والمستوردين.
ويضيف “لا يخفى على أحد أن الجزائر غير مكتفية في الكثير من تلك المواد الموضوعة في قائمة منع الاستيراد، وان وجدت فهي بين يدي فئة قليلة ستتصرف في السوق وفي أسعاره كما شاءت، في ظل انعدام دراسة دقيقة لتنظيم العملية ما بعد المنع”.
الإعلامي المتخصص في الشق الاقتصادي بتلفزيون “دزاير نيوز” عبد النور جحنين، يؤكد لهـاف بوست عربي تأثر القدرة الشرائية للمواطنين بالقرار الأخير للحكومة، باعتبار أن الاسعار ترتبط أساساً بالعرض والطلب، وكلما كان العرض صغيراً والطلب كبيراً زاد السعر وهو ما ينتظر حدوثه في الجزائر”.
فدقيق الذرة المحلي الذي كان يشتريه عبد المنعم فيما قبل لمرضاه بالبيت بـ140 ديناراً جزائرياً (0.70 دولار)، أصبح اليوم مع دخول 2018 بـ180 ديناراً جزائرياً (1دولار).
ويتخوف كثيراً من أن تشمل الزيادة مستقبلاً جميع المواد المصنوعة من دون غلوتين سيما الذرة والأرز والخروب، باعتبار أن الجزائر لا تنتج هذه المواد، وهناك مصنعون على عدد الأصابع يقومون بتحويل تلك المواد الى دقيق وتسويقها.
تضارب في الآراء
عامة المواطنين والتجار اجتمعوا حول قرار دعم الإنتاج المحلي ورفع الاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي لكن بشروط.
فهناك من اعتبر أن القرار فرصة للاستثمار المحلي وفتح فرص عمل للشباب، وهناك من اعتبره متسرعاً سيحيل الآلاف ممن كانوا يعتمدون على العمل وفق تسويق تلك المواد الممنوعة إلى البطالة.
ومن بينهم من اعتبر أن الجزائر يستحيل أن توفر كل ما منعت استيراده في السوق المحلية، خاصة مواد التجميل والزيوت النباتية، ومنهم من تشاءم بمستقبل صعب على محدودي الدخل.
دعم الناتج المحلي قبل المنع
الخبير الاقتصادي فارس، يقترح على الدولة قبل المنع القيام بدعم المؤسسات الوطنية والمحلية في الانتاج والمنافسة وحتى التصدير في البداية.
ويقول فارس مسدور “لو تركوا السوق تسير بعفوية العرض والطلب لانتظمت، واقتنع المواطن بالمنتوج المحلي وتخلى المستوردون عن فكرة جلب المنتوج من الخارج، دون منع من الحكومة”.
لكن بشرط يضيف مسدور “أن ندعم الناتج المحلي، ونخلق منافسة في مجال الكم والجودة، حتى يتم تغطية السوق بما ينافس المنتوج المستورد من وراء البحار، وهذه خطة كفيلة بأن ينتفع بها الاقتصاد ويتراجع العجز ويتحقق الاكتفاء”.