عقيدة المعارضة التركية في الملف السوري: الأسد أملنا الوحيد وعلينا التواصل معه مباشرة
مرآة سوريا – أول الأسبوع :من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, “نخب” “ثورية” “معارضة” تتوزع في المنافي من دبي وحتى واشنطن مروراً بعواصم أوروبا, أصبح نضالها الثوري متجسداً في شكل واحد وهو الهجوم على تركيا وسياساتها في سوريا, بل ووصف التدخل التركي في البلاد بالاحتلال والدعوة لاستهدافه.
قد يكون من المفهوم هجوم الجماعات السلفية الجهادية على تركيا واعتبارها العدو الأول لـ “الأمة”, فهذه الجماعات تكفر بعضها البعض فضلاً عن تكفيرها لأردوغان وحزبه, كما أن هذه الجماعات مخترقة من القاعدة إلى القمة من كل استخبارات الأرض. أما الغريب وغير المبرر أن تتحول “نخب ثورية” يفترض أنها تحمل هموم الشعب السوري إلى “عداوة” الأتراك وتحميلهم مسؤولية كل المصائب التي ألمت بالشعب السوري.
نعم أخطأت الحكومة التركية في إدارة الملف السوري لدرجة “الخطيئة” في بعض المحطات, لكن هل يحق لـ “نخب” لم تستطع أن تحل مشاكلها الداخلية وتشخص حلولاً لشعبها التائه أن ترمي بفشلها على الآخرين؟ وهل سألت هذه النخب نفسها سؤالاً بسيطاً عن مصير السوريين في تركيا بل القضية السورية برمتها فيما لو نجح مشروع استعداء العالم على تركيا والذي أصبحت تلك النخب جزءاً منه؟
المعارضة التركية والملف السوري:
إذاً فقد وضعت العديد من “النخب السورية المعارضة” نفسها سواء بقصد أو بغير قصد في المحور المضاد لتركيا – أردوغان, هذا المحور المدعوم من الولايات المتحدة, والذي تقود دولة الإمارات العربية المتحدة وأذرعها تنفيذ سياسته فعلياً , كما يعد نظام الأسد المستفيد الأول من نجاحاته, ويهدف هذا المحور بالدرجة الاولى إلى إسقاط أردوغان عن سدة الحكم والمجيء بالمعارضة التركية.
إقرأ أيضاً: لأغراض انتخابية:أكاذيب بالجملة بحق السوريين من قبل زعيم المعارضة التركية
لا تهاجم المعارضة التركية الوجود السوري في بلادها من منطلق مخالفة أردوغان وحسب, بل تعارض منذ البداية وقوف القيادة التركية بجانب السوريين, وتدعو بشكل واضح إلى مساندة نظام الأسد وعدم تقديم أي دعم للمعارضة السورية “الإرهابية” ولو بالتصريحات, ولعل كلام “أوزتورك يلماز” مساعد رئيس حزب الشعب الجمهوري للشؤون الخارجية, والذي أكد فيه أن “الأمل الوحيد هو الأسد” مطالباً الحكومة التركية بفتح قنوات اتصال مباشرة معه, يعطي صورة واضحة عن كيفية تعاطي المعارضة التركية مع القضية السورية فيما إذا وصلت إلى الحكم.
ماذا لو رحل أردوغان؟ مرحبا بتركيا في محور الممانعة !
سنفترض “جدلاً” قبل الإجابة على هذا السؤال, أن جميع الاتهامات التي تسوقها تلك النخب التي تهاجم تركيا صحيحة, بما فيها أن تركيا تاجرت بالملف السوري وأنها تدخلت لمصالحها البحتة وأضرت بالسوريين إلى آخر تلك القائمة التي تطول وتقصر بحسب أهواء بعض المعارضين, لكننا ندعوهم جميعاً لاستشراف الوضع في اليوم الثاني الذي سيتلو رحيل أردوغان وحزبه عن السلطة وتربع المعارضة على كرسي الحكم
إقرأ أيضاً: نائب تركي معارض: كل لاجئ سوري مشروع سارق أو قاتل في المستقبل
ستكون أول قرارات المعارضة بشكل فوري فيما يتعلق بالسوريين في تركيا هو إلغاء صفة “الحماية المؤقتة” والتي يعيش في ظلها الملايين منهم, ليصبح وجودهم بشكل تلقائي “مخالفاً للقانون” وتبدأ حملة تهجير جماعية غير محددة الوجهة يفرغ فيها العنصريون الأتراك كل أحقادهم باللاجئ السوري والذي لم تحمه منها طيلة تلك السنوات سوى توجهات الحزب الحاكم في استقبال السوريين وحمايتهم.
سيكون الهجوم على السوريين في تركيا وتحميلهم مسؤولية سوء الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني الشماعة المفضلة للأحزاب المعارضة حين وصولها إلى الحكم, فمن المؤكد أن تلك الأوضاع ستتدهور فور رحيل الحزب وكوادره, وليس هناك أفضل من السوريين ليصبحوا شماعة الفشل لتشتيت انتباه الناس عن فشل السلطة الحقيقي في إدارة البلاد.
أما على صعيد العلاقة مع سوريا, فمن المؤكد أن المعارضة التركية ستوفي بالتزاماتها وتتبع السياسة التي تتوافق مع عقيدتها المذهبية والقومية, ستعاد العلاقات مع نظام الأسد فوراً, وستغلق الحدود التركية السورية إلا في وجه السوريين المطرودين, وقد يتحول دور الجيش التركي المتواجد في الشمال إلى دور شبيه بما يقوم به الجيش الروسي والإيراني ليصبح محل ترحيب من قبل نظام الأسد.
ومن نافلة القول طبعاً وصف الحال الذي سيؤول إليه الشمال السوري بدون البضائع والمساعدات القادمة من تركيا بكل أشكالها, وكيف سيموت ملايين السورين بشكل بطيء فيما لو لم تعاجلهم قوات الأسد بالسيطرة المطلقة بمباركة ومساعدة من أركان الحكم الجديد في تركيا.
ستصبح تركيا بالتأكيد جزءاً من محور “الممانعة”, صور حسن نصر الله وبشار الأسد وخامنئي سترفعها تيارات كامنة الآن في المجتمع التركي تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي سيرحل فيها أردوغان من الحكم!
كيف يحكم أردوغان تركيا؟
ينطلق العديد من المعارضين العرب والسوريين في انتقادهم للسياسة التركية من مقاربة تعتقد أن الحكم في تركيا يدار بطريقة الأنظمة العربية , حيث يوجه الحكام بأوامر “شفوية” جيوشهم لتهاجم أو تقصف أي مكان داخل البلاد أو خارجها, أو لتعتقل استخباراتهم من يشاؤون هنا أو هناك.
أظهرت أحداث الخامس عشر من تموز في العام 2016, هشاشة سلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه على الحكم, فأكثر من نصف ضباط الجيش ذوي الرتب العالية كانوا يعملون لصالح تنظيم أراد الانقلاب على أردوغان وقتله مع عائلته, هذا التنظيم الذي ظهر فيما بعد تغلغله في مختلف أجهزة الدولة من البلديات وحتى أجهزة الأمن والاستخبارات.
باختصار, لا يملك الرئيس التركي -حتى اليوم- سلطة مطلقة تخوله من اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية كإعلان حرب شاملة أو المراهنة على تسليح غير محدود لفصائل فاشلة – كفصائل المعارضة السورية المسلحة- التي لا يخفي بعضها العداء لتركيا, والظروف الصعبة التي يعيشها السوريون من تواطؤ النظام الدولي عليهم يعيش أردوغان في ظروف شبية بها تماماً وإن ظهرت بشكل “أكثر أناقة”, وخلاصة القول أن السوريين إن أرادوا “مساعدة فعالة” من الجانب التركي, فطريقهم الوحيد هو تنظيم صفوفهم وتطهير معارضتهم من أصحاب الارتباطات وصبية السياسية على حد سواء -وهذا ما لا يلوح بالأفق حالياً- , أو عليهم الرضى بـ”السيء” إن صح التعبير والدعاء المستمر من أجل عدم الوقوع في الكارثي و “الأشد سوءاً”.
الأتراك – بخلاف العرب- يعملون على المدى الطويل ويمتصون الضربات لينطلقوا من جديد, ولعل عقيدة أردوغان في تعامله مع سوريا وملفات المنطقة تقوم على اختيار -أخف الضررين-, فإن ثبت أن ضياع سوريا محقق مائة بالمائة, فمن الأفضل أن لا تضيع معها تركيا.
هذا المقال غير حيادي ويعبر عن رأي الموقع