زعيم النصرة “أبو محمد الجولاني” أكبر المحرجين من صراع مخيم اليرموك

بالتوازي مع الحرب الطاحنة التي تندلع على أرض مخيم اليرموك، تجري في الغرف المغلقة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي حرب “أفكار” لاتقل عنها ضرواة وتتعدى بتأثيراتها مساحة المخيم المحاصر.

فهذه الحرب أشعلت الصراع المستمر والمحتدم بين أنصار السلفية الجهادية التي تنتمي إليها جبهة النصرة وبين خصومهم الذين اتهموا النصرة بمشاركة تنظيم الدولة في حربه على المخيم.

ولأن موقف تنظيم الدولة لايحتاج لأي تصريح رسمي جديد في ظل تكفيره لمعظم الفصائل الأخرى أو تخييرهم في أحسن الأحوال إلى إلقاء السلاح أو مبايعته، ظل موقف النصرة مثاراً للجدل في غياب موقف رسمي منها أو من طرف النزاع الآخر والمتمثل بكتائب أكناف بيت المقدس .

وكان من المفترض أن ينتهي هذا الجدل اليوم بعد البيان الذي نشرته جبهة النصرة والذي أعلنت فيه “حيادها” معللة ذلك الحياد بترجيح مصلحة أهالي المخيم الذين أنهكهم الجوع والحصار، كما علل البيان منع جيش الإسلام من الدخول إلى المخيم ومؤازرة أكناف بيت المقدس بتحالف جيش الإسلام مع كتيبة “شام الرسول” والتي قاتلت جبهة النصرة في مناطق يلدا وبيت سحم المجاورتين.

إلا أن جدلاً أكبر تفجر بسبب تجاهل جبهة النصرة لبيان أحد طرفي النزاع والذي اتهمهما صراحة بمشاركة تنظيم الدولة في الهجوم، فقد أعلنت كتائب أكناف بيت المقدس ذلك الأمر وسمت جبهة النصرة كطرف معتد عليها في حين لم تأت على أسماء المجموعات الأخرى التي التزمت الحياد.

ويعتقد العديد من المراقبين بأن موقف النصرة والذي تأخر لعدة أيام يعكس الأزمة الكبيرة التي تعيشها الجبهة من الداخل، فالجبهة ولدت من نفس الرحم التي ولد منها تنظيم الدولة ولا تزال العديد من فروعها في سوريا تعتبر مقاتلي تنظيم الدولة “إخوة منهج ” رغم الدماء الغزيرة التي سالت بين الطرفين.

وبحسب بعض المصادر المقربة من جبهة النصرة فإن قيادتها أرادت الموازنة بين صراعها الواقع مع تنظيم الدولة في معظم أنحاء سوريا وبين عدم رغبتها في خسارة فرعها في جنوب دمشق، ورغم عدم واقعية موقف “ الحياد” مع التنظيم الذي أعلن صراحةً كفر جبهة النصرة وقيادتها كما أعلن الحرب عليها، فإن قيادة جبهة النصرة “لا تستطيع” إعطاء أوامر بقتال تنظيم الدولة داخل مخيم اليرموك لأن قيادتها في المخيم ستبايع “أبو بكر البغدادي” مباشرة فور ورود أمر شبيه من قيادة النصرة.

وبحسب تلك المصادر فإن تجديد بيعة الجولاني في البيان الذي أصدره فرع الجبهة في دمشق اليوم حول الأحداث لم يكن له أي مبرر لولا وجود تلك الأزمة ،وجاء كحل وسط نتيجة صراع الأمراء بين مطالب بقتال تنظيم الدولة وفصل العناصر المناصرة له في الجبهة وبين من يعتبرهم إخوة يجب مناصرتهم ضد كتائب الأكناف والتي تحسب على جماعة الإخوان المسلمين “المرتدة”.

يذكر بأن هذه المرة ليست الأولى التي تثار فيها مشكلة بسبب اختلاف في الرؤية بين أمراء جبهة النصرة وقيادتهم، فمنذ شهور شهدت منطقة “القلمون” أزمة شبيهة عندما سمح أمير جبهة النصرة “أبو مالك” لعشرات من تنظيم الدولة بالدخول إلى القلمون رغم اعتراض القيادة، حيث أصدر وقتها “أبو مالك” بياناً جدد فيه بيعة الجولاني معتذراً بشكل غير مباشر عن قتال التنظيم، ومالبثت أن تطورت الأحداث بعد عدة أشهر إلى سيطرة تنظيم الدولة على مناطق كبيرة في القلمون والتي خيرت جبهة النصرة وأميرها بين البيعة أو القتال، الأمر الذي يشير إليه العديد من المراقبين على أنه سيكون النهاية الحتمية للوضع في مخيم اليرموك بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة في حال سيطرة الأخير على المخيم.

أضف تعليق