إدمان العمل مآله عدم التأقلم مع الأسرة والمجتمع

يكرس الشخص المدمن على العمل كل وقته وحياته للعمل ويهمل باقي مسؤولياته سواء في أسرته أو محيطه الاجتماعي، فعلى الرغم من أن النجاح مطلوب إلا أنه لا بد من تحقيق الموازنة بينه وبين الحياة الشخصية، حتى يكون النجاح شاملا وليس مهنيا فقط.

وعرّف الباحثون الإدمان على العمل بأنه المبالغة في القلق حول العمل مدفوعا بدوافع لا يمكن السيطرة عليها من أجل العمل، والتي يقوم الإنسان من خلالها باستثمار الكثير من الوقت والجهد للعمل وذلك على حساب مناحي حياته الأخرى التي يمكن أن تصاب بالإهمال نتيجة ذلك.

جدير بالذكر أن الكثير من الدراسات أثبتت أن إدمان العمل له تأثير سلبي على العلاقات الاجتماعية وتوتر هذه العلاقات، وقد يؤدي إلى عدم التأقلم مع الأسرة والمحيط الاجتماعي، فيصبح الشخص وحيدا بعدفترة من الزمن، وهو ما قد ينحو به إلى الاكتئاب.

وحذرت دراسة علمية حديثة، أشرف عليها باحثون نرويجيون، من أن العمل طوال ساعات اليوم يمكن أن يؤثر على صحة الشخص العقلية، حيث وجد الباحثون من جامعة بيرجن النرويجية، أن مدمني العمل أكثر عرضة للمعاناة من فرط النشاط وقلة الانتباه والوسواس القهري والقلق والاكتئاب.

وأشارت الدراسة إلى أنه بعد تحليل بيانات 16426 عاملا، وجد أن 32.7 بالمئة من مدمني العمل كانوا يعانون من فرط النشاط وقلة الانتباه، مقارنة مع 12.7 بالمئة لغير مدمني العمل، كما أن 25.6 بالمئة منهم كانوا يعانون من الوسواس القهري، مقارنة مع 8.7 بالمئة من غير مدمني العمل، كذلك أوضحت التجارب أن 33.8 بالمئة من مدمني العمل عانوا من القلق، مقارنة بـ11.9 بالمئة من غير مدمني العمل، و8.9 بالمئة يعانون من الاكتئاب، مقارنة مع 2.6 بالمئة من غير مدمني العمل، ومن هذه النتائج استخلص الباحثون أن العمل بإدمان قد يكون علامة على مشاكل نفسية أو عاطفية أكثر عمقا.

وشددوا على وجود ضرورة ملحّة لدراسة آثار إدمان العمل بصورة موسعة ومعمّقة، وبالأخص آثارها السلبية على الصحة العقلية وما تسببه من مشاكل أسرية واجتماعية.

وبحسب محمد الحديدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة في مصر، فإن إدمان العمل هو سلوك يصيب الكثير من الأشخاص ويجعلهم غير قادرين على التوقف عن العمل، ومن ثم يطغى عما سواه من مسؤوليات، ويؤثر سلبا على الحياة الشخصية للإنسان، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الطرق للتعرف على الشخص المدمن للعمل، فهو دائما ما يكون لديه رغبة ملحّة في أداء هذا السلوك بشكل دائم، كما أنه يقضي وقتا طويلا لأداء العمل، حيث أنه يستغرق وقتا أكثر من ساعات العمل المحددة له.

كما لفت الحديدي إلى أن الشخص مدمن العمل يعاني من أعراض انسحابية في حالة التوقف عن العمل، ويشعر بعدم الارتياح والقلق طوال الوقت، ويكون مزاجه مضطربا ومشاعره سيئة لا تزول إلا بأداء العمل، فهو يشعر بالارتياح الكافي وعدم القلق بعد أداء العمل، كما أنه يؤثره على العلاقات الاجتماعية والأداء الوظيفي ولا يستطيع القدرة على التوقف، وكثير من الزوجات ينزعجن من فكرة انشغال الزوج عنهن معظم الوقت وتكريس حياته للعمل، لكن يجب على المرأة أن تتفهم الوضع وأن تفخر بأن زوجها رجل طموح ويمكنه تحقيق النجاح في مكان عمله وأن ما يفعله هو لضمان حياة سعيدة لها ولأبنائها.

ويشير الحديدي إلى أنه على المرأة أن تعرف كيفية التعامل مع زوجها مدمن العمل من خلال عدم إلقاء اللوم عليه بعبارات سلبية واستبدالها بعبارات إيجابية تحفيزية من خلال الإشارة بأنه يهمل صحته من خلال العمل لساعات طويلة، ويمكن أن تقترح عليه أن يغير من حياته وأن يمارس الرياضة.

وأشار إلى أن الزوج مدمن العمل غالبا لا يستطيع الموازنة بين العمل والمنزل لأنه شخص منهمك في العمل، فيكون تحقيق النجاح في العمل على رأس أولوياته وقد ينسى مسؤولياته تجاه منزله وأسرته لذلك يقع على عاتق المرأة تذكيره بهذه النقطة.

ونصح الحديدي الزوجة بأن تكون على اتصال دائم به أثناء العمل للاطمئنان عليه دون معاتبة أو لوم، وأن تحرص دائما على تذكيره بالنواحي الروحية والدينية في أوقاتها، فهي تعتبر من العوامل المساعدة على علاج إدمان العمل.

كذلك على الزوجة أن تعلم أن هذا الصنف من الأزواج يتحدث عن عمله بصورة مستمرة دون وعي منه، لأنه يجد متعة في ذلك، وهذا قد يزعجها كثيرا، ويمكنها أن تتفادى ذلك من خلال تغيير انتباهه إلى شؤون الأسرة دون أن تشعره بأنها تهمل الحديث عن عمله، وعليها أن تخبره عما حدث معها خلال اليوم وكذلك ما هو متصل بأمور خاصة بالأبناء، وأن تشركه في كل كبيرة وصغيرة، وإذا تعدى الأمر لأكثر من ذلك وأصبح مصدر إزعاج بالنسبة إلى المرأة فيجب عليها أن تناقشه في الموضوع، فمن الممكن أن يكون غير منتبه، وقد يعتقد أن ما يفعله من قضاء وقت كبير في العمل هو لتأمين مستقبل الأسرة وقضاء حياة سعيدة، ويمكن أن تساعد الزوجة الزوج من خلال تنظيم وقته ووضع خطة أسبوعية لقضاء وقت ممتع مع الأسرة والأبناء.

 

المصدر: إدمان العمل مآله عدم التأقلم مع الأسرة والمجتمع

أضف تعليق