أحدثت عبارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “دخلنا في عملية درع الفرات لإسقاط نظام الأسد”، ردة فعل روسية قوية، وسرعان ما ارتكب القصر الرئاسي التركي خطأ أكبر في بيانه الذي اعتبر أن التصريح أُسيْءَ فهمه. علماً أنه واضح لا يحمل أي لَبْس، وليس فيه أي مجال لإساءة الفهم. وما يؤكد صحته، وعدم إساءة فهمه، وانسجامه مع الموقف التركي من النظام السوري حتى الآن هو أن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو صرح بجوار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحفي مشترك عقداه بعد اجتماعهما في مدينة ألانيا التركية رداً على سؤال حول عبارة الرئيس التركي، بعد تصحيح الناطق باسم القصر بيوم، فأجاب بطريقة أخرى مختلفة عن بيان القصر الرئاسي، وأكد العبارة بشكل واضح، ونفى سوء الفهم. لقد قال: “نعم، نحن (روسيا وتركيا) مازلنا مختلفين في هذا الموضوع (رحيل الأسد).”
من المؤكد أن البيان الصادر عن القصر الرئاسي يحمل خطأ فادحاً، لأنه لم يفلح بتقديم التفسير الدبلوماسي الجيد الذي يربط لسان الروس دون الإساءة إلى الرئيس التركي، ولكن وزير الخارجية التركي أنقذ الوضع فوراً، ولكن في الوقت نفسه، لم ينتبه أحد إلى هذا الإنقاذ، وبقي الأمر بين التصريح حول القضاء على الأسد والتراجع عن التصريح…
تعالوا لنتساءل: ما عرض شريط الحصار الذي يسيطر عليه النظام شرقي حلب وشماليِّها؟ الجواب: إن عرضه بمعدل خمسة كيلو مترات على الأكثر. من “يرابط” خلف شريط الحصار هذا، أي شرقيه وشماليه؟ داعش كما تشير خرائط السيطرة كلها. ألا يعطي هذا الوضع لقوات النظام راحة لأن ظهيرهم تحميه ما تسميه روسيا منظمة إرهابية، وتعلن بأنها جاءت إلى سورية لمحاربة هذا التنظيم. ألا يمكن لمكتب الرئاسة التركية أن يقول بأن محاربة داعش بحد ذاتها تعني إسقاط النظام؟
ومن ناحية أخرى، ما هو الهدف المعلن من عملية درع الفرات؟ الجواب: تنظيف شمال حلب من داعش، ومن ثم التوجه إلى الرقة، وبهذا طرد داعش من شرق حلب أيضاً فيما إذا سمحت الظروف الدولية بتوجه هذه القوات إلى الرقة. في هذه الحال، هل يمكن للقوة العسكرية التي لدى النظام، والمسيطرة على شريط عرضه خمسة كيلومترات بطول عشرات الكيلومترات أن تصمد في حصار حلب الشرقية فيما لو رابط فيها الجيش السوري الحر؟ صحيح أن هذا الجواب متروك للعسكريين، ولكن الواضح أن المحافظة عليه غير ممكنة، لأنها ستكون هي في وضع المُحاصَر من الطرفين، وليس المحاصِر، ولعل هذا ما جعل داعش تستميت بالدفاع عن مدينة الباب لتبقى سوراً محافظاً على قوات النظام.
الأدلة على علاقة النظام بداعش أكثر من أن تحصى بمقال، وهناك عقوبات أصدرتها وزارة خزانة الدولة الراعية للإجرام الإيراني والروسي في سورية وهي الدولة الأمريكية لشخصيات من النظام لتعاونها مع داعش.
وهنا الأمر المثير للريبة: كل العصابات القاتلة الطائفية التي تأتي لتنفيذ تطهير مذهبي، تأتي تحت شعار محاربة داعش في سورية، ولكن داعش تقدم لهم الحماية، أما الذين يحاربون داعش حقيقة لا يستخدمون هذه الورقة بالقوة والحنكة الدبلوماسية نفسها، وهذا الأمر ينطبق على المعارضة السورية بأشكالها كافة، والدول الراعية أو الداعمة لهذه المعارضة، ومنها تركيا.
ماذا يحدث لو كان تصريح القصر الرئاسي التركي الذي يرد على الكرملن على هذا النحو: “نحن دخلنا في عملية درع الفرات للقضاء على تنظيم داعش، ونعتبر أن القضاء على هذا التنظيم مقدمة لإسقاط النظام السوري الذي يرتكب المجازر”؟
عندما قصفت القوات التركية الداعمة للجيش السوري الحر طائرةٌ ادعت الأركان العامة التركية أنها تابعة للنظام السوري، وأنكر النظام الأمر، ثم أنكرته روسيا، جاء بيان رئاسة الحكومة التركية أكثر ذكاء وحنكة، فقد قال: “إن هناك طرفاً يتألم من تحقيقنا انتصارات على التنظيم الإرهابي داعش.” ألا يشير هذا التصريح إلى النظام السوري باعتباره يتألم من الانتصار على داعش حليفاً لهذا التنظيم الإرهابي، ومتواطئاً معه؟
لعل الاستعجال الإيراني الروسي بمحو حلب الشرقية عن الخارطة ليس بعيداً عن هذا السباق. فالنظام السوري يعرف حق المعرفة أن القضاء على داعش من ظهيره الشمالي على الأقل لا يمكّنه من المحافظة على الحصار. ولو شن عليه الجيش السوري الحر هجوماً من الشمال، فلن يستطيع الصمود، وخاصة أن عناصر الجيش السوري الحر التي تقاتل في تلك المنطقة خضعت لتدريبات قوية لدى الوحدات الخاصة التركية، وتتسلح بأسلحة لها قدرة على التأثير.
صحيح أن تركيا تريد المحافظة على علاقات قوية مع روسيا، ولكن روسيا أيضاً تريد هذه العلاقات أيضاً، والقصر الرئاسي التركي يحتاج إلى فريق أشد ذكاء وحنكة لاستغلال هذه الحالة، وتحقيق هدفه بالمساعدة على إسقاط حكم الأسد إن كان هذا الهدف حقيقياً.
عن جريدة صدى الشام