رغم التغييرات:انقلاب القصر السعودي لم يكتمل وجناح محمد بن زايد مازال قوياً


أثار الانتقال السلس والسريع للسلطة في المملكة العربية السعودية نهم المحللين والصحفيين حول العالم، فنشرت مئات المقالات حول استقرار النظام السياسي ومتانته في (مملكة النفط) . كان الانطباع العام لدى أغلب المراقبين وخصوصاً في ضوء التغييرات السريعة التي أجراها الملك سلمان أن المملكة بصدد تغييرات جذرية في مواقفها الخارجية وجنوح نحو المحافظة والعودة إلى التقليدية بالنسبة للداخل السعودي.
سرعة التغييرات وطبيعتها دفعت كاتباً رصيناً مثل ديفيد هيرست إلى القول بأن انقلاب القصر السعودي قد اكتمل، في إشارة إلى إبعاد الأمير بندر بن سلطان عن آخر منصب رسمي له وهو رئاسة مجلس الأمن القومي وإقصاء أبناء الملك الراحل عن مناصبهم وتقوية الأمير محمد بن نايف بتسليمه مزيداً من الملفات الهامة بالإضافة إلى زيادة نفوذ وقوة الأمير محمد بن سلمان الذي أصبح أصغر وزير دفاع على وجه الأرض.
إن دافع تلك التغييرات السريعة والمهمة لم يكن مجرد محاولة لتبديل السياسات فحسب، وإنما كانت حصيلة شعور قوي بالمرارة لدى قطاع كبير من آل سعود وخصوصاً جناحهم السديري، ففي النصف الثاني من فترة حكم الملك عبد الله بن عبد العزيز ولأول مرة في تاريخ الدولة السعودية الثالثة أصبح قسم كبير من سياسات المملكة وخصوصاً الخارجية منها يدار من عاصمة جارتها الصغرى أبو ظبي، وبعد أن كانت المملكة طيلة القرن الماضي ترسم سياسات دول مجلس التعاون الخليجي أصبح محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي مقرر سياسات المملكة ومن ورائها مجلس التعاون.

تلك الجارة الصغيرة (الإمارات) التي استقلت في بداية السبعينات ووحّدتها بريطانيا خوفاً من سيطرة السعودية عليها، لم تجد خيراً من ظروف حكم الملك عبد الله فتحولت من التأثر إلى التأثير على سياسات المملكة، فالملك أصبح هرماً ومريضاً وعلى رأس ديوانه الملكي يتربع خالد التويجري الذي ورث عن أبيه الناصري عبد العزيز عداءه للإسلاميين وأصبح يلقب في أواخر عهد الملك عبد الله بملك الظل.. خاض التويجري في الأيام الأخيرة لحكم الملك عبد الله حرباً غير معلنة لتعيين نجله الأكبر متعب ولياً لولي العهد ، وقد حاول محمد بن زايد استخدام نفوذه لدى واشنطن لفرض متعب لكن حسابات الأخيرة بدت مختلفة حتى الآن على الأقل.

وهكذا فإن فهم الصورة الكاملة لما يجري داخل المملكة يقتضي معرفة الاتجاه الذي تميل إليه موازين الإقليم بالكامل وليس ميزان المملكة فحسب، صحيح أن بعض محطات “العهد السلماني” على الصعيد الخارجي كانت كارثية على جناح ابن زايد داخل آل سعود ، فرؤية أردوغان في الرياض بالإضافة إلى الزيارات المكوكية من وإلى الدوحة وإعادة الاهتمام لباكستان ووقف جنون دعم حوثي اليمن ودعوة خالد مشعل وغيرها من الإشارات السياسية والإعلامية الهامة تؤشر فعلاً إلى الخروج من “الصبيانية” السياسية التي حيرت مراقبي السياسة السعودية، حيث أديرت ملفات ساخنة تتعلق بأمن المملكة وفق منطق “النكايات” مما أبعد المملكة عن عمقها الطبيعي وجعلها مكشوفة أمام إيران بالكامل.

ورغم ذلك فإن انقلاب “السيسي” على المملكة وابتزازها بإيران مع تشبث محمد بن زايد به، إضافة إلى الدعم الإماراتي السخي لحفتر ليبيا وحوثي اليمن وبشار الأسد مع استمرار استعداء تركيا واستفزازها، مع مايرافق ذلك الأداء السياسي الإماراتي من تغطية إعلامية من بعض المنابر والشخصيات السعودية يثبت أن الكفة لم ترجح بعد بالكامل لسلمان داخل بيت الحكم.

في يوم واحد فقط يصرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بتصريحين متناقضين أحدهما يدعم قطر ويدين السيسي والآخر يعاكسه ويلغيه حيث تكفي قراءة هذا الحدث لمعرفة الصراعات التي ماتزال تعصف بالبيت السعودي.

فلذلك فإن انقلاب القصر ليس كاملاً كما وصفه هيرست الصحفي الخبير بشؤون المملكة ،فنفوذ ابن زايد مازال قوياً فيها، ومؤسسة الحرس الوطني التي تفوق قوتها قوة الجيش السعودي بيد الأمير متعب الذي ورثها عن أبيه المؤسس الحقيقي للحرس وصاحب النفوذ فيه، كما أن الحلقة الأهم في سلسلة الملك الآن هي (ولاية العهد) يحتلها الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي لاتتوافق توجهاته مع السديريين. .
بعد جملة التغييرات التي قام بها الملك سلمان ونظراً لمرضه وتقدمه في السن، سيتعين عليه القيام بخطوة هامة لإقصاء الخصوم وتثبيت جناحه (السديري) وضمان استقلالية العرش عن حكام الإمارات، وهي إجبار أو إقناع الأمير مقرن بالتنازل عن ولاية العهد لصالح الأمير محمد بن نايف أو الأمير أحمد بن عبد العزيز..

التنافس سيستمر لامحالة.. لكن هل سيبقى في الظل كما كانت السعودية دائماً أم أنه سينتقل للعلن وينعكس على كيان الدولة ومؤسساتها وسياساتها الداخلية والخارجية.. الزمن وحده كفيل بكشف ذلك.

أضف تعليق