مانشيت | ما هي الملاحق السرية للاتفاق الروسي التركي؟

تحولت العلاقات التركية الروسية بشكل سريع ومفاجئ من العداء والقطيعة إلى الصداقة والتحالف الاستراتيجي، وقد تسبب إسقاط تركيا طائرة حربية روسية على الحدود السورية بنشوب أزمة خطيرة بين البلدين، ولكن لغة المصالح كانت هي السائدة في نهاية المطاف وتجاوز البلدان خلافاتهما الكثيرة حول الملف السوري وتحولا للتنسيق التام بما يضمن سيطرتهما معاً على الساحة السورية بما لروسيا من هيمنة على النظام والقوات المتحالفة معه وبما لتركيا من سيطرة على قوات الجيش الحر الموالية لها والمتحالفة معها في الشمال.
من خلال اتفاق وقف إطلاق النار برعاية تركيا روسيا بشكل مباشر ومن ثم سعيهما المشترك لتحويله لحل سياسي دائم يضمن مصالحهما القومية عبر الاستفراد بمفردات القرار السيادي في البلاد وهما يعملان لشرعنة ما يفعلونه في سورية عبر استصدار قرار دولي من مجلس الأمن؛ ظهرت جملة من التساؤلات بخصوص كيفية تحقيق وقف إطلاق النار تتعلق بالجهات التي يشملها القرار وطرق المراقبة والردع، واتضح ظهور تناقضات في المواقف المعلنة وخاصة من جهة تركيا ما يعني بالفعل أن هناك اتفاقيات خفية وغير معلنة.
تأتي تصريحات تشوركين في مجلس الأمن لتؤكد ارتفاع مستوى التعاون والتنسيق بين روسيا وتركيا لأقصى مدى، حيث أعلن أن اتفاق وقف إطلاق النار تم بناؤه على خرائط ومعلومات ميدانية تفصيلية عن قوى المعارضة المسلحة ومؤكدًا أن تركيا هي مصدر هذه المعلومات.
لم يكن ليحصل التدخل العسكري التركي في سورية من دون اتفاقيات غير معلنة وتفاهمات استراتيجية بين البلدين تتمثل بتقاسم النفوذ بينهما، وقد دخلت القوات التركية المدن الشمالية في سورية بدون عوائق تذكر.
لا تستطيع روسيا وتركيا الاستحواذ بمفردهما على المكاسب من خلال الملف السوري ولا بد من تحقيق مصالح أطراف رئيسية أخرى لضمان نجاح مشروعهما المشترك في سورية، ولا يمكن إغفال النظام ومراكز القوى لديه وحزب الله وإيران والميليشيات الطائفية التابعة لها كما أن الجبهة الجنوبية يتم التحكم بها من قبل الأردن وهناك قوات سورية الديمقراطية المدعومة أمريكياً وقوات حماية الشعب الكردية، فكيف يمكن تأمين مصالح كل تلك القوى من خلال الاتفاق؟ ناهيك عن القوى الإقليمية والدولية المؤثرة والفاعلة.
في حال تجاهل تركيا وروسيا لتعقيدات المشهد وسعيهما للقيام بعمل منفرد فإن ذلك سينشكف ولن يدوم طويلاً، وفي أضعف الأحوال لا يمكن توقع تجاهل النظام وإيران في الاتفاق وهما قد أعلنا موافقتهما عليه، فما هو الثمن الذي تم تقديمه لهما مقابل ذلك؟.
لا يمكن أن يقبل النظام طواعية بأقل من بقائه واستمراره وإعادة إنتاج نفسه في أحسن الأحوال، بينما لن تتخلى إيران عن مطامعها وتنسحب من المشهد السوري بهدوء ودون ضجيج.
المنطق يؤكد وجود ملاحق سرية غير معلنة للاتفاق الروسي التركي تتعلق بطريقة توزيع المكاسب، والمعضلة كيف يمكن إرضاء النظام وإيران مع أن أهدافهما ومصالحهما تتناقض كلياً مع المشروع الروسي التركي الذي يعلن الالتزام بالقرارات الدولية وتحقيق انتقال سياسي في البلاد.
ما يخشاه السوريون أن تعمل روسيا وتركيا على تعويم النظام واستمراره، أو ربما من سيناريو أسوأ يصل لحد تقسيم البلاد في حال تدهور الأوضاع بشكل خطير.
تنازلت تركيا عن شرط رحيل الأسد كمقدمة لحوار بين النظام والمعارضة وقبلت ببقائه لمرحلة انتفالية كذلك ويبدو أنها قدمت في الاتفاق الأخير تنازلات أكبر لصالح النظام.
ورغم أن إعلان موسكو ينص على وحدة الأراضي السورية إلا أن الواقع الميداني وخريطة توزع القوى الرئيسية في البلاد تسمح بطرح سيناريو التقسيم بسهولة أكثر من أي وقت مضى.
لا يمكن من خلال روسيا وتركيا تحقيق حل سياسي متوازن في البلاد وسيكون طرف الثورة هو الخاسر الأكبر من خلاله، وبانتظار جلاء الحقيقة والكشف عن الملاحق السرية للاتفاق الروسي التركي، لا بديل للسوريين عن حل سوري خالص برعاية أممية تضمن الحياد وتضع مصالح سورية في المقدمة.

أضف تعليق