رغم المواقف الحادة والمتناقضة التي أطلقها دونالد ترامب في أحيان كثيرة خلال حملته الانتخابية، إلا أن معظم التوقعات كانت تصب في خانة ضبط تصريحاته وسلوكه وتحويلها باتجاهات أكثر إيجابية من قبل مستشاريه وفريق عمله في البيت الأبيض، لكن المفاجأة كانت برفع ترامب حدة هجومه وتصريحاته وهذه المرة كانت من نصيب دول الاتحاد الأوروبي.
دعم ترامب في تصريحه الأخير موقف بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي وقال إن هناك العديد من الدول الأوروبية ستحذو حذوها في إشارة لانفراط وشيك للاتحاد، كما هاجم ترامب حلف شمال الأطلسي واعتبره جسماً عديم الفعالية في ظل عدم وجود عدو ليواجهه، كما هاجم ترامب سياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجتها ميركل في موضوع الهجرة واستقبال اللاجئين.
يبدو من خلال تصريح ترامب أنه يسعى لإعادة رسم تحالفات أمريكا الدولية وتغييرها بشكل جذري، وكما هو واضح يدعم تفكيك الاتحاد الأوروبي والبحث عن دور جديد أو ربما حتى كيان بديل عن حلف الأطلسي، وهذه المواقف تعني تغييراً جذرياً في الالتزامات والمعاهدات الأمريكية تجاه أوروبا الغربية والمستمرة منذ الحرب العالمية الأولى.
أثارت تصريحات ترامب القلق في الشارع الأوروبي وسارع مسؤولو دول الاتحاد الأوروبي للرد عليها بشكل مباشر، فأعلن الرئيس الفرنسي أن أوروبا لا تحتاج لنصائح وأنها تعمل وفق قيمها ومصالحها، كما ردت عليه ميركل بنفس السياق.
مع اقتراب موعد استلام ترامب مهامه الرئاسية تزداد المخاوف أكثر حول مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية فهي لم تصل لهذه المرحلة من التأزم من قبل بل كانت علاقات تحالف استراتيجي على الدوام، فما الذي يريده ترامب من خلال فرط عقد الاتحاد الأوروبي وكذلك حلف الأطلسي؟ وأي تحالفات جديدة يريدها؟ ومن هم حلفاؤه الجدد؟ يبدو أن ترامب يدعو للتحالف مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي وهو يدعو دولاً أخرى للخروج والانضمام لهذا التحالف. فهل الأمور بمثل هذه البساطة التي يعتقد ترامب والذي ينظر لأي مشروع سياسي كصفقة تجارية يجب عليه إنجازها وتحقيق الأرباح من خلالها؟.
يبدو أن ترامب مستمر في إثارة العواصف من خلال ترشحه للرئاسة الأمريكية و بعد وصوله إليها، ومن خلال اتخاذ مواقف حادة لا يمكن توقعها، هو رئيس جاء لإنجاز مهام خاصة وخطيرة كما يبدو وبسبب ذلك قام البعض بتشبيه دوره بغورباتشوف الذي كانت نهاية الاتحاد السوفييتي على يديه، لكنه كما يبدو يريد اللعب في كل مكان حتى في داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، فهل ينجح ترامب في ألعابه الخطيرة؟ وبالأحرى هل يمكن توقع استمراره رئيساً لأمريكا لنهاية ولايته بعد كل العداء الذي أعلنه تجاه الجميع في الداخل والخارج؟.