لم يعلن أي من المنظمين أو المشاركين في مؤتمر الأستانة أن الهدف منه التقدم نحو حل سياسي في سورية ناهيك عن عدم طرح أي مشاريع أو أفكار تتعلق بذلك، فحسب أسامة أبو زيد المستشار القانوني للجيش الحر لا يتعدى سقف الاجتماع تثبيت الهدنة الهشة التي تلت اتفاق وقف إطلاق النار بعد التوافق الروسي التركي، ولا يوجد بطبيعة الحال سقف أعلى من هذا عند بقية الأطراف، إذن لماذا يجتمعون في الأستانة مع معرفتهم المسبقة بعدم تحقيق أي نتائج؟.
يريد الروس والأتراك تكريس تفردهما وتحكمهما بمفردات الملف السوري عبر تنسيقهما المشترك عسكرياً وسياسياً، وبالطبع لا يمكن للبلدين الوصول لذلك فالأزمة السورية باتت عالمية لتدخل كل الأطراف والقوى والمحاور الدولية فيها ولا يمكن توقع أو انتظار أي حل سوى بقرار دولي يلتزم به الجميع، وربما يريد الروس والأتراك تكرار تجربة ثنائية السعودية إيران التي يجب أن يمر أي حل في لبنان عن طريقها بالضرورة، ولا يمكن تحقيق ثنائية روسيا تركيا سوى بحصول الدولتين على تفويض من الدول الأخرى لحل الملف من خلالهما وهذا الأمر لا يبدو أنه ممكن في المنظور القريب على الأقل، لكن المشهد يؤسس لسعي الدول لفرض حل سياسي يضمن مصالحها القومية وهو ما يشكل بداية طريق طويل من الصراعات الدولية في سورية.
من خلال الأستانة تم تجاوز قرارات مجلس الأمن والمنظمات الدولية المتعلقة بسورية وتم التفاوض بدون مرجعيات قانونية دولية مسبقة، وهذا يعني بالضرورة القانونية أن النظام طرف مفاوض أصيل بعد أن سمح الأستانة بتعويمه، ولن يدور أي حديث في الأستانة أو ما بعدها عن رحيل النظام بالمطلق وأعلى سقف ممكن هو الدخول في عملية سياسية مشتركة بين النظام وأطراف من المعارضة.
يتم للمرة الأولى التفاوض بين النظام ووفد يمثل المعارضة المسلحة وليس ذلك فحسب بل مع فصائل يصنفها الروس إرهابية، والتوجه الروسي التركي نحو تطويع الكتائب عبر إدخالها في العملية السياسية ومن ثم تثبيت الهدنة وإدماجها ضمن جيش بإشرافهما ينتقل في مرحلة لاحقة لقتال داعش بالتنسيق مع قوات النظام وهو الأمر الذي يتم التعويل عليه لتمرير الحل الروسي التركي، لكن ما يجعل ذلك صعباً هو ضعف مشاركة ممثلي الفصائل وعدم شمولها لكافة القوى الفاعلة ميدانياً إضافة لإبعاد قوات سورية الديمقراطية المدعومة أمريكياً.
استبعاد هيئات ومنظمات المعارضة السياسية بكافة توجهاتها وأشكالها، وحتى عدم توجيه الدعوة لها في توجه مكشوف للتقليل من أهميتها وحجمها ودورها ما يمهد لمشاركتها في أي استحقاق قادم بسهولة وبدون شروط ومماحكات ومن ثم القبول بأي نتائج خوفاً من تكرار حالة الإبعاد والتهميش مرة أخرى، والمستهدف الأكبر في هذه العملية الائتلاف الوطني والهيئة العليا للتفاوض التي وجدت نفسها خارج الحدث فسارعت لإصدار بيان تؤكد فيه دعم الأستانة والمشاركين فيها.
يؤسس الأستانة لسلسلة قادمة متوقعة من الاجتماعات على نفس النمط ولكن بمحاور و اصطفافات جديدة كل مرة، حيث ستقوم القوى الأخرى الفاعلة بمحاولات مماثلة، ولا يمكن انتظار تحقيق نتائج بدون مشاركة أساسية لأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي وإيران ودول الخليج العربي، وهو ما لا يمكن تحقيقه سوى بمؤتمر دولي ينتج عنه قرارات ملزمة لكافة الأطراف، ولأن ذلك غير مطروح حالياً فإنه لا يمكن توقع أي نتائج مهمة من الأستانة، وربما كل أهدافها التأسيس وتمرير الثوابت التي قامت عليها ومن أجلها لا أكثر.