ميديا | قصة مختصرة مؤلمة لإعلام الثورة

قبل الثورة كان انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في سورية محدوداً حتى في أوساط النخبة نفسها، كان انتشار شبكات الانترنت قليلاً وبسرعات بطيئة وأجور مرتفعة إضافة لصعوبة الحصول عليها.

 
كان لتلك الوسائل دور فاعل وحاسم في نقل الاحتجاجات والتظاهرات ضد النظام منذ اندلاعها في ظل عدم وجود وسائل إعلام خارجية مستقلة أو محايدة تقوم بنقل حقيقة ما يجري ومع قيام وسائل الإعلام التابعة والمؤيدة للنظام بنقل صورة مشوهة ومغايرة للواقع. 

بسرعة ظهر ناشطون هواة يوثقون بكاميراتهم وجوالاتهم البسيطة أحداثاً ثورية تاريخية هامة يشاركون هم أنفسهم بها ويتم تداول ما ينشرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الخارجية، وأصبح بعض الناشطين معروفاً ومطلوباً لتقديم تقارير إخبارية لوسائل إعلام خارجية وداعمي الثورة في الخارج، كما أن بعض الكيانات الثورية الناشئة كالهيئة العامة للثورة ولجان التنسيق المحلية واتحاد لجان التنسيق وغيرها باتت تعمل لتغطية النشاطات والفعاليات الثورية عبر مواقعها الالكترونية وصفحاتها الخاصة التي أنشأتها على وسائل التواصل الاجتماعي. 

رغم أن تلك الوسائل الإعلامية الناشئة للهيئات الثورية حظيت في البدايات بمتابعة واسعة ومصداقية عالية، إلا أنها بدأت تفقد ذلك البريق بالتدريج مع تدفق الدعم المالي الخارجي الذي بدأ يفرض شروطه على طريقة نشر الأخبار والفعاليات ومضامينها في اتجاهات تناسب رغبة الداعمين وحاجاتهم ولعل ذلك من الأسباب الأساسية التي أصابت الثورة السورية بمقتلة عظيمة فيما بعد عبر بث وترويج شعارات وهتافات وأفكار لم تكن في أجندة شباب الثورة عندما انتفضوا ضد النظام. 

كانت صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد هي التي تقوم بإطلاق تسميات لأيام الجمع والتي تكون فيها الفعاليات الثورية تتويجاً لأسبوع كامل، وكانت تلك العملية تتم بمشاركة واسعة من الناشطين عبر التصويت على أحد الأسماء المقترحة، ولكن الشكوك بدأت تحوم حول طريقة عمل الصفحة واختيار اسم الجمعة ومن ثم تراجع الاهتمام والمتابعة للصفحة بشكل كبير، ويقف وراء ذلك سعي الصفحة لتكريس أسماء إسلامية بحتة للجمع لإرضاء الداعمين واستبعاد الأسماء الوطنية السورية كما كانت الأمور في البدايات، و رغم القبول بتصرفات الصفحة إلا أن مبالغتها جعلت الأمور تصل لحد القطيعة فيما بعد. 

لعب الشيخ عدنان العرعور دوراً مؤثراً في قيادة وتوجيه الحراك الثوري والتأثير على الرأي العام وذلك من خلال برنامجه الشهير على قناة وصال، لكن دوره تمدد للتأثير على التظاهرات والشعارات التي ترفع فيها ويتم من خلالها تمجيده وذلك بسبب ما يقدمه هو من دعم مالي مباشر للقائمين على بعض النشاطات، وهنا ظهر دور سلبي للناشطين والإعلاميين لانصياعهم للداعم وشروطه. 

لشعوره بخطرهم استهدف النظام الناشطين والإعلاميين الناشئين بشكل ممنهج ومباشر، فاعتقل بعضهم كما أصبح بعضهم في عداد الشهداء وغادر من تبقى إلى خارج البلاد. 

بات كثير من الناشطين الإعلاميين الذين استطاعوا الوصول للخارج يقدمون أنفسهم بصفة إعلاميين وصحفيين محترفين، استطاع بعضهم العمل بنجاح في وسائل إعلام خارجية، كما أن بعضهم استطاع الحصول على دعم من جهات أجنبية داعمة قام من خلاله بتأسيس مشاريع إعلامية صغيرة كي تعمل من أجل الثورة، وظهرت تلك المشاريع على شكل إذاعات خاصة ومواقع الكترونية وصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي. 

كان الدعم الأجنبي المقدم محدوداً ولا يسمح بإنشاء مشاريع إعلامية على مستوى احترافي، كما أن تلك المشاريع لم تعمل بشكل مؤسساتي شفاف لا قبل الثورة ولا بعدها وتجربة تلفزيون بردى تؤكد ذلك من خلال الدعم الكبير المقدم له أمريكياً كما كشفته ويكليكس مع ضعفه وعدم قيامه بدور فاعل، وربما يكون الهدف الحقيقي للجهات المانحة هو احتواء الناشطين أكثر من مساعدتهم على تقديم أي خدمات إعلامية للثورة عن طريق مشاريعهم تلك، وبالنتيجة تحولت تلك المشاريع الصغيرة إلى دكاكين صغيرة لمنفعة بعض الأشخاص ولم تقدم شيئاً يذكر أو تحظى بمتابعة مقبولة إضافة إلى توقف قسم كبير منها عن العمل فيما بعد، ولم يبقى سوى مشاريع قليلة استطاع القائمون عليها الهروب من فخ الداعمين الأجانب والاستمرار بالعمل تحت ظروف صعبة، ولكن الحاجة لا تزال ماثلة لإعلام يستطيع تقديم صورة ناصعة عن الثورة السورية وأهدافها وإظهار معاناة الشعب السوري بفعل جرائم النظام بعيداً عن البروباغاندا المباشرة كما يفعل تلفزيون أورينت مثلاً الذي لا يزال مستمراً في عمله ومن قبله سورية الغد وسورية الشعب وهما قناتان توقفتا عن العمل وكلها مشاريع إعلامية خاصة، بينما لم تنجح هيئات ومؤسسات المعارضة في تأسيس قناة تلفزيونية خاصة بالثورة رغم ما حصلت عليه من تمويل كبير واكتفى الائتلاف بإذاعة متواضعة. 

بالنتيجة لم تنجح الثورة في بناء إعلام خاص بها، كما خسرت خيرة الشباب الناشطين، وللأسف فقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي تلك التي قدمت للثورة خدمات جليلة في بداياتها أمكنة لإضاعة الوقت والمهاترات ونشر الأخبار الكاذبة والإشاعات المغرضة وبث الافتراء والكذب ونشر اليأس في الصفوف.

أضف تعليق