بعد الدستور.. روسيا تبحث عن قديروف السوري؟

خلال مفاوضات أستانة قدم الوفد الروسي مشروع دستور لسورية من إعداد خبراء روس ، ويشكل ذلك سابقة جديدة وخطيرة في العلاقات الدولية، فرغم مأساوية الظروف التي تمر بها سورية إلا أن ذلك لا يمنح أي دولة أخرى الحق في التصرف بالأمور السيادية التي هي حق للشعب السوري وحده طالما أن عهود الاحتلال والانتداب قد انتهت.
تزامن الإعلان المفاجئ للروس عن دستورهم لسورية مع مفاوضات أستانة بهدف الإيحاء بأن مسار الحل السياسي في مراحله الأخيرة وأن روسيا هي التي تمسك بكافة تفاصيله وأهمها الدستور. وحصلت روسيا من خلال أستانة على براءة ذمة عن جرائمها ضد الشعب السوري، وباتت الأقوى نفوذاً في التحكم بالنظام والمعارضة السياسية والمسلحة.
من خلال تفويض غير معلن ممنوح لها تسعى روسيا لتكرار التجربة الشيشانية في سورية، وقد قامت بالفعل بسياسة الأرض المحروقة في شرقي حلب الأمر الذي جعل فصائل المعارضة المسلحة تدرك ذلك وتقوم بالانسحاب لا بل تشارك بمفاوضات أستانة.
رغم أن أجندة أستانة المعلنة لم تتضمن الحديث عن حل سياسي إلا أن ذلك كان الهدف النهائي لروسيا، وقد سارعت وزارة الخارجية الروسية على الفور لدعوة 15 من قادة المعارضة لاجتماع يعقد في موسكو في 27 من الشهر الحالي، لكن اللافت أن الدعوة الروسية الجديدة ضمت تشكيلة من منصات مختلفة للمعارضة على قدم المساواة، حيث للمرة الأولى يلتقي قادة الهيئة العليا للتفاوض، رياض حجاب، مع الائتلاف الوطني، أنس العبدة، وهيئة التنسيق الوطنية، حسن عبد العظيم، وجبهة التحرير والتغيير، قدري جميل، ومجموعة حميميم، ليان أسعد، وممثل الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، خالد عيسى، والذي ترفض تركيا حضوره ومشاركته.
يأتي اجتماع موسكو القادم ضمن محاولات روسيا لتجميع كافة منصات المعارضة المختلفة تحت مظلة واحدة ويضاف إليها فصائل المعارضة المسلحة الموافقة على الحل السياسي ليتم بعد ذلك تشكيل وفد مشترك يقوم بالتفاوض مع النظام لإقرار الخطة الروسية للحل السياسي، ويبدو المشروع الروسي للدستور كعامل دفع لتكثيف مشاركة مختلف أطياف المعارضة في جهود التسوية الروسية.
من خلال التطورات المتسارعة يبدو أن الأمور تسير بشكل جيد للروس، وهم يقومون بتهيئة أرضية الحل ليتم تبنيه دولياً فيما بعد كما حصل في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، ويستطيع الروس تأمين حوار سوري سوري بحضور قوي ومكثف يمكن أن يتحول لمؤتمر وطني تأسيسي يتبنى مشروع الدستور الروسي ومن ثم بدء عملية الحل السياسي.
من خلال قراءة بيان الأستانة يبدو أن ما يريده الروس هو حل سياسي على الطريقة الشيشانية لا أكثر، وربما هم في مرحلة تحضير قديروف السوري، وما تسرب من الدستور الروسي المقترح لا يمكن قبول السوريين به أو تمريره بسهولة فهو يلغي الهوية العربية الإسلامية عن سورية كما أنه يلغي اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلماً كما نصت على ذلك كافة الدساتير السابقة لسورية وهو يدفع باتجاه سورية علمانية لا دينية وهو يفتح الباب أمام احتمالات التقسيم تحت طروحات الفيدرالية والأهم أن هذا الدستور يضمن مصالح الدول الإقليمية كما قال لافروف نفسه، فعلى ماذا يراهن الروس لتمرير هكذا دستور على الشعب السوري.
يعمل الروس بشكل متسارع لكسب الوقت وغياب الدور الأمريكي المباشر في عهد أوباما وقبل عودة محتملة في عهد ترامب لقيادة الملف من جديد وقد أصدر ترامب قراراً تنفيذياً لإنشاء مناطق أمنة في سورية مما يؤشر لدخول أمريكي وعودة لقيادة الملف السوري من جديد وفي هذه الحالة ستصب كل الجهود الروسية العسكرية والسياسية لصالح أمريكا من جديد، وهذا سيؤدي لإعادة خلط الأوراق و الاصطفافات الدولية والإقليمية من جديد ويؤخر التوصل لحل بتوافق دولي.

أضف تعليق