صناعة الإسلاموفوبيا وما بعدها

الإسلاموفوبيا مصطلح حديث نسبياً للدلالة على تفشي خوف الغرب من الإسلام، ورغم أن المصطلح بقي في إطار البروباغاندا لا أكثر إلا أنه قد تحول لواقع ملموس في نهاية المطاف.
كثر الحديث عن المصطلح بعد أحداث أيلول 2011 الدامية وإعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الحرب على تنظيم القاعدة في أفغانستان 2001 ثم الحرب على العراق 2003 ومن بعدها توسعت الدائرة لتشمل الحرب دولاً أخرى يتواجد فيها تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى المتفرعة عنه كداعش والنصرة و بوكو حرام وغيرها.

ومن خلال حروب أمريكا والغرب على القاعدة وتوابعها بدأت عملية التعرض للإسلام نفسه كدين واعتبار التعاليم الإسلامية هي التي تحض على العنف والكراهية، وقد تم اعتبار العادات والتقاليد والشعارات والرموز الإسلامية مانعاً من اندماج المسلمين في الغرب ولذلك انطلقت حملات قاسية ضدها أطلقها ساسة الغرب وتبنتها وروجت لها وسائل الإعلام الغربية، وانتقل الأمر لاستصدار قوانين وأنظمة جديدة في الغرب تمنع عن المسلمين أي رموز أو مظاهر تدل على خصوصيتهم ومن الغريب أن يترافق ذلك مع الحملات ضد الإرهاب الإسلامي لينتقل إلى الحرب لكل ما يمت للإسلام بصلة حتى لو كان ذلك لباس السباحة في البحر المسمى البوركيني والذي تم تصنيفه كلباس إسلامي ومنعه في فرنسا في الصيف الماضي وسط حملات إعلامية واسعة.

انتقل الغرب خطوة للأمام من محاربة القاعدة وفروعها نحو إعلان الحرب على الإسلام وشعائره ورموزه واستغلال كل حادث إرهابي لممارسة مزيد من الضغط على المسلمين في الغرب وإجراء تعديلات على القوانين والأنظمة التي تحد من حريتهم الدينية وتعقد عملية اندماجهم في المجتمعات الغربية، لكن الدعوات لمنع عادات المسلمين وتقاليدهم التي تعبر عن هويتهم في الغرب سببت ردات فعل معاكسة لديهم جعلتهم يتمسكون بها أكثر من قبل.

بعد العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش في الغرب والتي ذهب ضحيتها مدنيون أبرياء لم يعد الإسلاموفوبيا مجرد مصطلح بل تحول لواقع فعلي لدى المواطنين في الغرب، حيث باتت الخشية من التعرض لعمليات إرهابية أمراً محتملاً، ولكن ظهور تنظيم الدولة وإعلانه دولة الخلافة عقد الأمور أكثر من خلال الإفراد الذين يقومون بمبايعته في دول أخرى وكذلك من خلال ممارساته في تنفيذ الأحكام على الناس ضد أماكن سيطرته، وتحولت الفوبيا من الإسلام لمرحلة جديدة متقدمة من التنظيمات الجهادية باتجاه حركات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين وغيرها حيث تحولت محاربة التنظيمات الإسلامية بكافة أشكالها وفروعها كجزء أساسي من البرنامج الانتخابي للمرشحين في الغرب وتحولت السجالات بينهم في الموضوع لعملية مزايدة مكشوفة لمن يقوم بالمبالغة أكثر من غيره في تقديم وعود وبرامج في إطار الحرب على الإسلام السياسي ومنع الرموز الإسلامية في الغرب بينما يعجز عن تقديم برامج اقتصادية واجتماعية تعالج المشاكل المتفاقمة في بلاده باستمرار.

من الغريب أن تصب عمليات تنظيم داعش في خدمة اليمين المتطرف الذي يعلن الحرب على الإسلام السياسي والرموز الإسلامية، وهي تضع المسلمين في الغرب في موقف حرج باستمرار بعد كل عملية يذهب ضحيتها مدنيون، حيث تضعف وسائل دفاعهم ويخسرون الكثير من المزايا يصعب عليهم تكريس هويتهم الخاصة عبر القوانين والأنظمة التي باتت تسير ضدهم.

بعد فوز ترامب برئاسة أمريكا، تشهد فرنسا وألمانيا صيف هذا العام انتخابات حاسمة سيكون لنتائجها تأثير خطير على علاقة الغرب والإسلام في حال فوز اليمين المتطرف فيها وهو أمر وارد وغير مستبعد.

سارع ترامب لتنفيذ وعده الانتخابي بخصوص منع مواطني سبع دول مسلمة من دخول الولايات المتحدة بحجة الإرهاب، وليست برامج ووعود ماري لوبين زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا أقل حدة من ترامب، فهي تحارب الهجرة واللجوء لفرنسا وتسير أكثر باتجاه التصادم مع الإسلام كدين ومع المسلمين كجالية تدعوها للانصياع لعادات وتقاليد الفرنسيين والاندماج في المجتمع والتخلي عن خصوصيتها.

صحيح أن الغرب نجح في نشر الفوبيا من الإرهاب الإسلامي ونجح في توسيعها لتشمل الإسلام نفسه والمسلمين في الغرب، لكن المؤكد أن ما ساعد الغرب في تحقيق أهدافه هو التنظيمات الإسلامية وخاصة القاعدية والجهادية منها التي يعلن هو الحرب عليها، وهذه معادلة يستحيل تفكيكها أو فهمها بسهولة دون افتراض عمالة تلك التنظيمات للغرب نفسه أو ربما كونها من صناعته بشكل غير مباشر.

أضف تعليق