فيتو روسي جديد بنكهة المنصات

لم يكن مستغرباً مشاهدة يد المندوب الروسي مرتفعة بالاعتراض ضد مشروع قرار فرنسي بريطاني جديد في مجلس الأمن يدعو لفرض عقوبات ضد النظام لاستخدامه السلاح الكيماوي، فقد ارتفعت قبل ذلك وبلؤم شديد يد المندوب السابق فيتالي تشوركين، والذي توفي في ظروف غامضة، ست مرات معترضة على مشاريع قرارات لإدانة نظام الأسد، وظهرت روسيا على الدوام بمظهر الحامي والراعي الدولي للنظام في وقاحة شديدة غير مسبوقة في تاريخ مجلس الأمن بات مطرح انتقاد كافة المنظمات الدولية ويهدد عملها ويقوض النظام الدولي برمته، كان الفيتو الروسي متوقعاً ولم يكن أحد ينتظر أي مفاجأة في الموضوع خاصة مع عدم بروز تغيرات جوهرية في المواقف والتحالفات الدولية والإقليمية المتعلقة بالملف السوري. 

الجديد في الفيتو الروسي الأخير هو تزامنه مع انعقاد مفاوضات جنيف 4 بين النظام والمعارضة والتي كانت روسيا من أشد المتحمسين لها بعد أن هيأت لها طويلاً من خلال اجتماعات أستانة بمشاركة تركيا وإيران ووفود عسكرية من النظام والمعارضة المسلحة لتكريس وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه بعد التفاهم التركي الروسي، وبقيت روسيا تسابق الزمن لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من الملف السوري في ظل تواجدها الميداني الواسع وغياب الغرب عن التأثير المباشر وقبل أن تتضح معالم السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة التي قد لا تترك الساحة خالية للروس كما في السابق. 

يتضح بسهولة أن مشروع القرار مجرد مناورة سياسية من الغرب لإحراج موسكو لا أكثر، وكان واضحاً هذه المرة عدم اكتراث السوريين به بالمطلق وهم قد اعتادوا على خذلان المجتمع الدولي لهم منذ سنوات.  

لا يكترث أحد بالفيتو الصيني رغم أنه يمتلك نفس ثقل الفيتو الروسي، فالجميع يعرف أن الموقف الصيني ملحق وتابع للموقف الروسي، ولا يوجد تأثير مباشر للصين في منع سقوط النظام رغم تأييدها الظاهر له ويمكن أن تتغير مواقفها السياسية بتغير التوازنات الدولية وموقفها أقرب للحياد. 

تبقى مواقف الدول الثلاثة الممتنعة عن التصويت مصر واثيوبيا وكازاخستان مثاراً للبحث والتساؤل عن مصلحتها بالامتناع عن التصويت، ولو استبعدنا أثيوبيا من النقاش فإن مواقف كل من مصر وكازاخستان مهمة مع تطلعهما للعب دور في الشأن السوري من خلال منصات المعارضة التي تدعمانها في القاهرة و أستانة وتدفعان بها للعب دور رئيسي في المعارضة السورية خلال عملية التفاوض مع النظام إضافة لمنصة موسكو التي ترعاها روسيا. 

سبب مشروع القرار في مجلس الأمن حرجاً مشتركاً لأول مرة للمعارضة والنظام والروس معاً، فالروس لا يمكنهم القبول بتمرير القرار كما أن رفضهم له يجعلهم في موقف صعب وينسف كافة ادعاءاتهم بالحيادية والقبول بالانتقال السياسي، أما النظام فقد شعر مرة أخرى أن الحبل يمكن أن يلتف حول عنقه في أي لحظة وأنه لن يفلت من العقاب مهما طال الزمن وهذا سيجعله يتمسك أكثر بعدم القبول بأي حل سياسي قد يطيح به أو يعرضه للمساءلة، أما وفد المعارضة المفاوض في جنيف فقد وضع نصب اهتمامه استمرار المفاوضات بأي ثمن وعدم الانجرار لأي ضغط أو تهديد يعطلها، وظهر وفد المعارضة في هذه الجولة وكأنه يريد تحقيق شيء ما أو الانتهاء من عملية التفاوض برمتها وعلى غير المعتاد لم يؤثر الفيتو الروسي على مواقف المعارضة وربما سيضفي بظلاله على علاقة المعارضة مع روسيا بشكل باهت.

 
كشف مشروع القرار في مجلس الأمن مرة أخرى حقيقة مواقف روسيا ومصر وكازاخستان ودعمها للنظام السوري بشكل واضح، وكشف ذلك حقيقة منصات المعارضة التي تدعمها تلك الدول والتي تختلف بأجندتها جذرياً عن الثورة السورية، ولا تعدو محاولات تلك المنصات التسلل من خلال المعارضة للتفاوض مع النظام سوى من أجل العمل على إعادة إنتاجه وتعويمه من جديد ولم نجد في برامجها أي دعوة لتنحي الأسد أو محاكمته وقد أعلن بوضوح عضو منصة القاهرة جمال سليمان أن بحث ذلك قد يطيح بالمفاوضات. 

صحيح أن مشروع القرار سقط في مجلس الأمن، ولكنه أسقط معه بشكل علني أي مصداقية أو حيادية متبقية لروسيا ومصر وكازاخستان، ويفترض أن يكون قد كشف كذلك أجندات منصات موسكو والقاهرة وأستانة، كما يفترض أن يسبب هزة في أوساط وفد المعارضة الذي حول التفاوض لعملية تقنية بحتة لا تحمل أي مضامين ثورية أو أخلاقية أو حتى وطنية ولا يمكن لهذه الحال أن تدوم طويلاً.