مانشيت | جنيف 4 و الحصاد المر

كان سقف التوقعات من جنيف 4 منخفضاً جداً، ولم يكن أحد يعلق عليه أي أمل بإنجاز تقدم يذكر على طريق الانتقال أو الحل السياسي، في الواقع لم تظهر أي مقدمات أو مؤشرات إيجابية أو مشجعة قبل انطلاق الاجتماعات التي تم تأجيلها عدة مرات، وكانت وعود وفد المعارضة لا تتجاوز تحقيق تقدم أو اختراق ما يؤدي لاستمرار المفاوضات فيما بعد.
من وقائع أيام جنيف 4 يمكن تسليط الضوء على أخطر ما جرى فيها :
لم يتم الاتفاق على جدول أعمال المفاوضات حتى الأن حتى ببنوده الرئيسية وتفصيلاته المتشعبة رغم التحضيرات والمشاورات الطويلة المسبقة التي قام بها ديمستورا مع كل الجهات والهيئات.
عاد النظام من جديد لما كان قد طرحه في جنيف 2 وهو مطالبته انطلاق المفاوضات من بند محاربة الإرهاب حسب رؤيته التي تعني انضمام قوات المعارضة للنظام في محاربة تنظيم الدولة، وقد نجح النظام في طرحه هذا وتركزت النقاشات بالفعل حول محاربة الإرهاب وبات الاختلاف على الترتيب والأولويات فقط.
لم تستند العملية التفاوضية على المرجعيات السابقة الأساسية من جنيف 1 أو القرارات الدولية وخاصة 2254 بخصوص الملف السوري وعادت عملية التفاوض تنطلق من الصفر لتحديد مرجعيات جديدة.
لاقت الورقة التي قدمها ديمستورا موافقة واستحسان المعارضة وهي تتحدث عن الإدارة والانتخابات والدستور ولا تختلف بشيء عن مشروع الحل الروسي وهي لا تشير من قريب أو من بعيد للأسد ونظامه، ومن العجيب مسارعة وفد المعارضة لقبول الورقة بهذه السرعة وهي تحمل تنازلات كثيرة عن مطالبه السابقة.
من أجل تحقيق تقدم في المفاوضات، بدأ وفد المعارضة يعمل بطريقة عضو وفد منصة القاهرة جمال سليمان بتجنب الحديث عن إسقاط النظام، وترك ذلك حسب رؤية سليمان للمرحلة الأخيرة أي لما بعد إنجاز الاتفاق الشامل.
بحجة عدم إعطاء حجة للنظام والروس لوقف المفاوضات أو الانسحاب منها، بدأ وفد المعارضة يظهر المزيد من المرونة أو التنازلات بالأحرى، ولم نعد نسمع في تصريحات الوفد عبارات قاسية تطالب برحيل الأسد أو محاكمته، وأكثر من ذلك لم يصدر من المعارضة مواقف ضد الفيتو الروسي في مجلس الأمن أو استمرار القصف والحصار، وظهر أن وفد المعارضة يريد استمرار المفاوضات تحت أي ظروف.
بدأت الدول التي شكلت منصات للمعارضة في القاهرة وموسكو تحقق المكاسب من خلال الدفع بها بقوة للمشاركة في العملية التفاوضية على قدم المساواة مع وفد الهيئة العليا.
ارتكب وفد المعارضة خطأً تاريخياً سيكلفه ثمناً باهظاً وذلك من خلال قبوله بمشاركة مندوبين عن منصات القاهرة وموسكو ضمن وفد المعارضة، الأمر الذي سيتحول لقاعدة في الاجتماعات اللاحقة ويفرض مشاركة كافة المنصات الأخرى وبذلك يصبح وفد الهيئة العليا مجرد وفد صغير ضمن وفود كثيرة، وسيعمل مندوبو تلك المنصات على تخفيض السقف التفاوضي للهيئة ويجعله يقترب من النظام أكثر وهو ما يدفع للقبول بحل سياسي أو بالأحرى التسوية السياسية والتطبيع مع النظام الذي هو الهدف الحقيقي لسلسلة جنيف.
انعكست المرونة التي أراد وفد المعارضة الظهور بها لضعف أمام وسائل الإعلام حيث باتت التصريحات الصادرة عنهم خجولة وبجمل مختارة بدبلوماسية كي لا تسبب الانزعاج للروس، ولأول مرة أصبحنا نرى المعارضة في موقف الدفاع.
ظهر جنيف 4 وكأن كافة المجتمعين فيه تحت الوصاية الروسية المباشرة، ولم تنفع العبارات التي عبر فيها وفد المعارضة عن المديح والشكر للدور الروسي عن توجيه الروس اللوم والتوبيخ للمعارضة وأنها هي السبب بعدم إحراز تقدم في المفاوضات وذلك لدفعها لمزيد من التنازلات.
ستبقى العملية التفاوضية مستمرة برعاية الروس في أستانة قبل العودة من جديد لجنيف 5 للحصول على مزيد من التنازلات من المعارضة، ويبدو أن الروس لا يزالون ممسكين بكافة أوراق الحل السياسي على الأقل حتى الأن، ومن غير المتوقع قدرتهم على إنجاز حل بمفردهم مما يعني أن العملية طويلة ومعقدة ولن تنتهي سوى بمشاركة كافة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة.
الأهم قبل جنيف 4 وما بعدها هو ملاحظة التدحرج الذي تسير به المعارضة نحو القاع سواء أدركت ذلك أم لا، وفي النهاية لم تعد المعارضة بكل أشكالها ومنصاتها معبرة عن أهداف الثورة ومطالبها الأساسية وتحولت لمجرد لاعب يبحث عن دور ما، مهما كان هذا الدور باهتاً وثمنه مكلفاً.