منبج على صفيح ساخن..أمريكا والكرد في مواجهة الأتراك

أخيراً بدأنا نشهد علناً تدفق مئات الجنود الأمريكيين داخل الأراضي السورية بعتادهم وأسلحتهم الثقيلة التي لم يبدأ تمركزها الميداني سوى في الأيام الأخيرة من عهد أوباما لكن ترامب سارع منذ أيامه الأولى في البيت الابيض لتعزيز وتكريس التواجد الأمريكي وبناء القواعد والمطارات انطلاقاً من الشمال الشرقي لسورية في مناطق سيطرة الميليشيات الكردية.

 
أعلنت إدارة ترامب فور تسلمها الحكم أنها تدرس إقامة مناطق أمنة في سورية دون تفاصيل إضافية عن حدودها وأهدافها، واعتقد الكثيرون أن ترامب لن يختلف عن سلفه أوباما في إطلاق وعود وتصريحات فارغة، لكن الواقع الميداني يظهر تطورات متسارعة لا يمكن تجاهلها في تغير واضح عن سياسات الإدارة الأمريكية السابقة.

 
وصول الجنود الأمريكيين لمدينة منبج جاء للفصل بين القوات التركية وقوات سورية الديمقراطية ومنع حدوث اشتباك بينهما كما جاء في التصريحات الأمريكية، وكانت أمريكا قد وعدت تركيا من قبل بمنع تقدم القوات الكردية لشرقي الفرات ومدينة منبج بالتحديد وعندما حصل ذلك تحول وعدها للطلب من القوات الكردية مغادرة منبج ولم يتحقق ذلك أيضاً لتظهر القوات الأمريكية أخيراً في منبج كقوات فصل بين الطرفين وذلك يعني ببساطة تكريسها لوجود القوات الكردية ودعمه ما يجعلها في مواجهة مباشرة مع تركيا.

 
لا يمكن التصديق بما أعلنته أمريكا عن مهام جنودها في الشمال السوري ومنبج تحديداً، وليست هذه القوات سوى بداية لتدخل أمريكي واسع قادم لا محالة طالما أن المهام المعلنة لتلك القوات ليست مرحلية أو مؤقتة بل ترتبط بواقع حلفاءها الأكراد.

 
تواجد القوات الأمريكية على الأراضي السورية يعني وجود القواعد والبنية التحتية اللازمة لاستقبالها وتنقلها، كما يعني أنها أصبحت قادرة على توفير خطوط الإمداد والدعم اللوجيستي لها، وهذه الأمور تحتاج لتحضيرات طويلة كانت تقوم بها القوات الأمريكية بهدوء في مناطق حلفائها الأكراد ولكن تركيا وقعت في خطأ فادح عندما لم تحسن قراءة الواقع وتداعياته المستقبلية بشكل جيد.

 
مع قطع الطريق أمام درع الفرات التركية للتوجه صوب الرقة ودخول القوات الأمريكية لمنبج تكون قوات الدرع قد حوصرت عملياً في منطقة جغرافية محدودة لا يمكنها الإفلات منها سوى بفتح جبهات حرب جديدة ويبدو أن القوات الأمريكية سارعت للتدخل عندما وجدت أن الأتراك يريدون بالفعل الاشتباك مع قوات سورية الديمقراطية، ومن هنا سبب التصريحات التركية الغاضبة من دخول القوات الأمريكية لمنبج بهذا الشكل المفاجئ وبدون تنسيق معها.

 
لم يأت الاجتماع الأخير لرؤساء الأركان في أمريكا وروسيا وتركيا بأي شيء إيجابي لصالح تركيا كما يبدو التي كانت تريد الحصول على تفويض بإدارة واستلام معركة الرقة وما حولها، ويبدو أن الاتفاق الروسي التركي قد توقف عند هذا الحد، كما لم تستطع أنقرة إقناع واشنطن التخلي عن دعمها لقوات سورية الديمقراطية والموافقة على تصنيفها كجماعة إرهابية، ولم تستوعب تركيا حتى الأن او تفهم الصدمات التي توجه لها من قبل دول حلف الأطلسي وأسباب ذلك مع أنها شريك أساسي ومهم في الحلف، كما لم ترى تركيا مبرراً لتعامل بعض دول الحلف مع منظمة تشكل خطراً على إحدى دوله وهو أمر يشكل سابقة في تاريخ الحلف الذي يبدو أنه لن يستمر في عمله المعتاد بعد أن وجه له ترامب انتقادات لاذعة، ويبدو أننا سنشهد قريباً دوراً جديداً للحلف ومفاهيم جديدة للأمن حسب تصورات ترامب.

 
خلاصة موضوع منبج أن التحالف الأمريكي الكردي بات معلناً والدور التركي الميداني محدوداً، وأن ما كان يقصده ترامب بالمناطق الأمنة ليست سوى المناطق التي تتواجد فيها قواته ضمن نطاق سيطرة القوات الكردية فحسب، وذلك ليس سوى مقدمة على طريق إعلان كانتون كردي.

 
لا يمكن لتركيا السكوت والقبول بالأمر الواقع الذي تريد أمريكا فرضه على حدودها الجنوبية في الأراضي السورية ولكن إمكانياتها في المواجهة باتت ضعيفة في ظل ظروف داخلية صعبة تمر بها، ولكنها ستبحث عن طرق جدية وفاعلة للتحرك وإعادة ترتيب أوراقها الإقليمية والدولية من جديد، وربما ستجد تركيا نفسها في نهاية المطاف أمام مواجهة مغامرة لا بد من دخولها مهما تكن النتائج.