بعد سنوات طوال من الحرب الضروس التي شهدتها سوريا أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتردي الأوضاع الاقتصادية في كافة المناطق السورية، ما جعل الآلاف من الشباب السوري يعاني من البطالة وانعدام فرص العمل، وهو ما دفع الكثير منهم لمغادرة البلاد للبحث عن لقمة العيش بينما اضطر الآلاف إلى البقاء في سوريا والبحث عن فرصة للعمل في الداخل.
ناهيك عن الصعوبات التي تتعلق بإيجاد فرصة عمل مناسبة في ظل الواقع المرير في المناطق المحررة فإن العمل إن توفر كان الأجر المقدم من قبل رب العمل ضعيفاً للغاية ولا يناسب إطلاقاً الجهد المبذول من قبل الموظف، فكثيراً من الأحيان لا يتجاوز الأجر اليومي 1000 ليرة سورية أي ما يعادل الدولارين!
من هنا كانت فرص العمل الأكثر أجراً هي مطلب شريحة كبيرة من اليد العاملة وخاصة ذوي الشهادات الجامعية، وكانت تلك الفرص عالية الأجر متوفرة فقط عند المنظمات الإنسانية والإغاثية التي تقدم رواتبها بالدولار الأمريكي لتترواح تلك الرواتب وسطياً بين 200 دولار حتى 600 دولار حسب المركز الوظيفي وحسب الشهادات التي يحملها المتقدم إلى الوظيفة.
إلا أنه من خلال استطلاع أراء شريحة من الشباب السوري الباحث عن العمل تبين أن الحصول على وظيفة ضمن منظمة إنسانية معتبرة أصبح حلماً بعيد المنال، لأي شاب يريد ان يحصل على دخل يكفيه وعائلته للعيش بكرامة وليأمن أبسط مقومات الحياة.
والسبب في ذلك حسب سبر قامت به مرآة سوريا أن طلبات التوظيف التي يتم تقديمها للمنظمات يتم بكل بساطة تجاهلها وعدم الرد عليها وأن الشواغر المتوفرة يتم ملؤها حسب المحسوبيات أو القرابة أو الواسطة.
وقد انتشرت في الآونة الأخيرة العديد من مجموعات التوظيف على تطبيقي واتساب وتيليغرام تنشر بشكل يومي ومكثف إعلانات لوجود شواغر عند العديد من المنظمات أو الهيئات أو الشركات والتي تطلب موظفين في جميع المجالات سواء الطبية أو المالية أو الإعلامية وحتى العمال العاديين كالسائقين أو المستخدمين وغيرهم.
يقوم المرء بالدخول على رابط الاعلان ويقوم بملء الاستمارة أصولاً بكل التفاصيل المطلوبة ثم يرفق الطلب بملف عن سيرته الذاتية ومن ثم يرسل الطلب ليتم إعلامه أن الطلب قد وصل، لكنها تمضي الأيام ولا يتلقى أي رد على بريده الالكتروني يعلمه بموعد المقابلة التي ينتظرها على أحر من الجمر، فالمتقدم قد استوفى جميع الشروط ولديه الشهادات العالية والخبرة الطويلة لكن للأسف تم إهمال الطلب وذهب أدراج الرياح!
يقول أحمد وهو إعلامي:” لدي خبرة 4 سنوات في مجال الإعلام والتصوير ولدي 3 لغات بالإضافة إلى شهادة معهد متوسط في المعلوماتية، كل ذلك لم يكن كافياً أن يتم الرد على طلبي للتوظيف في العديد من المؤسسات الإعلامية أو المنظمات التي أعلنت عن وجود شواغر ضمن اختصاصي، وأنا حقيقة اعتبر ذلك إهانة لي من قبل تلك الجهات التي لم تكلف نفسها ولو بالرد بايميل توضح فيه أن الفرصة قد ذهبت لغيري ولو كان تم تعيينه بالواسطة، ولكن للأسف أصبحت تلك المنظمات تتعالى على الشباب السوري الباحث عن العمل ولا تأبه به”
أما أحمد وهو شاب من كفر يحمول بريف إدلب وهو يحمل شهادة معهد معلوماتية أيضاً فيقول: “أقوم بملء العديد من الطلبات وإرسالها ولكن لا أتلقى أي رد وأحياناً يكون هناك إعلان عن وجود دورة مأجورة فعندها فقط أتلقى رداً من تلك المنظمات”
أما عبد السلام سمسوم من مدينة الدانا بريف إدلب فيقول: “تلقيت خلال عام كامل من إرسال الطلبات رداً واحداً فقط بأنه تم استلام طلبي لكنني لم أدع لحضور مقابلة قط وما زلت أبحث دون جدوى”
وأما السيدة مريم التي تقيم في قرية عزمارين بريف إدلب الشمالي وهي معالجة فيزيائية فتقول: ” أرسلت عدة طلبات للتوظيف ضمن اختصاصي كمعالجة فيزيائية ولكن للأسف لم أتلق أي رد”
أما زوج السيدة مريم، المهندس المدني محمد علي فيقول: ” تم قبولي في إحدى المنظمات بعد إجراء مقابلة معي، وعندما أردت مباشرة عملي تم الاعتذار مني بحجة أن اللجنة التنفيذية قد عينت شخصاً آخر مكاني!، فأدركت أن قانون الشغل هو الواسطات لا الخبرة والشهادات”.
هذا ولم تقتصر المشكلة على المنظمات وأفرعها المتواجدة في الداخل السوري بل تعداها إلى مكاتبها الرئيسية المتواجدة على الأراضي التركية، فيقول أنس وهو خريج كلية الآداب قسم الآثار بحلب ويقيم حالياً في مدينة غازي عنتاب التركية:” أرسلت طلبات توظيف كثيرة ولكن دون جدوى بدون واسطة لا يمكن لأحد أن يتوظف هذه قناعتي”.
هذا ويتساءل الكثير من الشباب السوري إلى متى تبقى المحسوبيات والواسطات هي المعتمدة في قضية التوظيف ثم أليس كثيراً من هذه المنظمات الإنسانية، دولية فكيف بها لا تلتزم بمعايير التوظيف الدولية وتترك المجال لبعض المتحكمين من مدراء الداخل بقصر التعيين على أقاربهم أو أصدقائهم وإهمال الآلاف من حملة الشهادات وذوي الخبرات الواسعة.