اضطر ملايين السوريين لهجران بيوتهم والهرب من بلدهم التي تعيش ويلات الحرب غير المتكافئة التي أعلنها النظام السوري في العام 2011 على شعبه مستخدماً مختلف صنوف الأسلحة والقنابل ومستعيناً بميليشيات أجنبية ومرتزقة من إيران ولبنان.
ويتوزع اللاجئون السوريون في عدد من البلدان المجاورة لسوريا كالأردن ولبنان واختار الغالبية العظمى منهم تركيا التي فتحت أبوابها لاستقبال السوريين منذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية عام 2011.
بينما فضل بضع مئات الآلاف من السوريين الإقامة في مصر كبلد لجوء لهم ولعائلاتهم بينهم طلاب جامعات يواصلون تعليمهم هناك في الوقت الذي واجه فيه الكثيرون الموت غرقاً في البحر ولم يستطيعوا تحمل قساوة الظروف وغلاء المعيشة في بلدان الجوار.
ويجد السوريون أن استمرارية الإقامة في بلد “أم الدنيا” غدت بديلاً كافياً لهم ريثما يعودون إلى ديارهم ويغلقون صفحات اللجوء ومآسي الغربة.
وينتشر السوريون في عدة محافظات مصرية سكنوا في مناطقها وبثوا فيها الحياة بكافة أشكالها حتى باتت تغص بالمحلات والمطاعم والكتل السكنية والمقاهي والأسواق وأصوات الباعة السوريين التي تشعرك أنك في بلاد الياسمين فهم ينتشرون في كل بقعة من تلك الأسواق ويعرضون منتجاتهم في شوارعها كما في منطقة 6 أكتوبر وغيرها من المناطق المعروفة بكثافة التواجد السوري.
كما ارتأى ميسورو الحال و رجال الأعمال السوريين للعمل في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة فاستثمروا مشاريع صغيرة وأسسوا للصناعات النسيجية والملابس بأنواعها حتى أصبحت من أهم الصناعات في مصر نتيجة خبرة السوريين في هذا المجال وكفاءتهم وقدرتهم على الإنتاج والتسويق ما ساهم برفد الاقتصاد المصري وزيادة نموه بحسب تقارير اقتصادية.
وتتفاوت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسوريين في مصر حسب ظروف لجوئهم وطبيعة العمل والمهارات التي يتمتعون بها أو حجم المساعدات الحكومية والأهلية التي تقدم لهم.
ورغم وجود العديد من العقبات أمام السوريين في مصر إلا أن الشعب المصري يعامل السوريين معاملة حسنة لا تخلو من مشاعر الأخوة ونظرات الاحترام بعد سنوات من العمل في السوق المصرية وإثبات الجدارة في مناحي الحياة المختلفة بشهادات المصريين.
واستطاع الميسورون من المصريين تشغيل أعداد كبيرة من السوريين في مطاعم تقدم وجبات طعام سورية بأيادي سورية وكذلك دأبت التجمعات الإنسانية والجمعيات الاجتماعية على إقامة دورات تدريبية للسوريين في العديد من المهن اليدوية والحرفية كالخياطة والطباعة والطبخ وغيرها من الدورات التي تؤهلهم لدخول سوق العمل المصري.
ويؤكد رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر تيسير النجار في حديث خاص لموقع مرآة سوريا أن ” السوريين في مصر يتمتعون بحرية حركة كبيرة جداً دون أي عوائق ودون اعتراضهم من قبل أحد ولا حتى السؤال عن إقامة أو هوية إﻻ خلال المراجعات الحكومية” مشيراً إلى انهم يعملون كما يعمل المصريون تماماً”.
ويصف النجار معاملة المصريين لإخوانهم السوريين بالجيدة وأن الشعب المصري يفضل السوريين على نفسه قائلاً:” إذا أعطى الشعب المصري فإنه يعطي بسخاء”.
وأشار النجار إلى دعم الحكومة المصرية للجانب التعليمي وإتاحة المجال أمام الطلاب السوريين من أجل متابعة دراستهم في جامعاتها موضحاً أن التعليم في مصر مجاني وهو متاح أيضاً أمام الطلاب السوريين الحاصلين على الشهادة الثانوية من دول الخليج والراغبين بالدراسة في الجامعات المصرية بنصف القسط المخصص.
وبين رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر أنواع الإقامات في مصر بقوله: ” الإقامة في مصر لها عدة أشكال وهي الإقامة السنوية عن طريق دراسة الأبناء في المدارس وهذا النوع يحصل على الإقامة بغرض الدراسة وكذلك هناك الإقامة في حال التعاقد مع الحكومة أو القطاع العام أو الخاص والإقامة عن طريق الاستثمار في مصر وأما الإقامة السياحية فهذه لا تعطي المقيم الحق بالسفر والعودة ولا حتى بلم الشمل”.
ولفت رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر إلى معاناة كبار السن من السوريين الذين يحق لهم استخراج الإقامة السياحية فقط ولا تشملهم باقي أنواع الإقامات معتبراً أن هذا النوع من الإقامات لا يخدم السوريين في جوانب عدة مثل السفر والعودة من وإلى مصر.
وشدد النجار على ضرورة تئليل الصعوبات أمام تلك الفئة من السوريين في مصر منوهاً لاستجابة الحكومة المصرية في وقت سابق من خلال قرار اتخذته “بالغاء الغرامات المترتبة على الفترة الماضية بدون إقامة”.
ويأمل رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر بتحسين أوضاع السوريين في مصر وعودة الأوضاع إلى ماكان “قبل العام 2013 فيما يتعلق بالسفر من وإلى مصر في أي وقت كان دون الحاجة للحصول على الموافقة الأمنية المطبقة في الوقت الحالي والتي يصعب الحصول عليها”.
أم محمود سورية أرغمها قصف طائرات النظام السوري على الهجرة إلى مصر مصطحبة بناتها الثلاث وابنها وزوجته ليسكنوا في إحدى ضواحي القاهرة مع عائلة مصرية ميسورة أصر افرادها على بقائهم لفترة معينة شعروا خلال هذه الفترة أنهم بين أقاربهم وفي بلدهم فقد كانت عجوز المنزل تعيد وتكرر على مسامع أم محمود قائلة “لازمك حاجة يا بنتي”؟ و أيضاً “حبيتك وعايزاك تعرفي أنك زي بنتي، وأنا زي أمك”.
وتؤكد أم محمود ابنة الخمسين عاماً في حديثها لمرآة سوريا أن كرم الضيافة الذي حظيت به مع بناتها يشبه كرم السوريين ولا يحصل إلا بين الأهل والأقارب وهي ممتنة كثيرة لتلك العائلة التي أجبر رب الأسرة على النوم خارج المنزل لأيام عدة تاركاً المنزل لضيوفه وعلامات السعادة ظاهرة على مبسمه.
وتوضح أم محمود أن ابنها البكر محمود يعمل في أحد مطاعم القاهرة ويتقاضى مرتباً مقبولاً كما الحال للعمال المصريين بينما بناتها التحقن بالمدارس الحكومية والجامعة لمتابعة تحصيلهن العلمي.
من جانبه أشار الطالب الجامعي سهيل عبدو لاهتمام الشعب المصري بالسوريين وحسن المعاملة معتبراً أنها وجهة نظرته من خلال علاقاته الاجتماعية مع زملائه المصريين في الجامعة وجلساتهم أثناء فترة الاستراحات وأوقات الفراغ.
ويضيف العبدو لموقع مرآة سوريا قائلاً :” بالنسبة لي أتيت إلى مصر قبل اندلاع الثورة السورية بأشهر قليلة ولا زلت أتابع دراساتي في جامعة القاهرة ومنذ ذلك الحين لم أسمع من المصريين إلا جملة: “أجدع ناس” فهم يعرفون السوريين جيداً ويدركون حبه للعمل وصبره على متاعب الحياة”.
ويعتبر السوريون إقامتهم في مصر أفضل من باقي دول اللجوء باعتبار أن الشعبين تجمعهما علاقات الأخوة والوحدة وتربطهما أواصر تمتد لسنين طويلة.
وتفتقد الكثير من العائلات السورية في مصر لوجود المعيل كون معظم تلك العائلات من النساء والأطفال ممن اختاروا الإقامة في مصر واضطر المعيلون لأفراد عائلاتهم إلى الهجرة إما إلى أوروبا أو دول الجوار كالأردن وتركيا ولبنان أو أجبروا على البقاء في دول خليجية لا تسمح بتنقل السوريين أو لم شمل عائلاتهم.
وتعد الهيئة العامة السورية للاجئين في مصر إحدى منظمات المجتمع المدني المرخصة أصولاً في مصر ولها فروع في المحافظات المصرية وتخدم شرائح كبيرة من السوريين وتؤمن لهم العديد من الخدمات ولها روابط عدة تابعة في عدة دول أخرى.
يذكر أن أعداد السوريين في دول الجوار والعالم تجاوزت الخمسة ملايين سوري ولا توجد إحصائية حقيقية لأعداد اللاجئين السوريين في مصر إلا أن إحصائية للأمم المتحدة قالت إن أعداد السوريين في مصر تجاوزت 165 ألف سوري، غير أن الكثير منهم ليس لديه سجل في الأمم المتحدة باعتبارهم من ميسوري الحال والتجار ورجال الأعمال ما يجعل أعدادهم تتخطى ضعف العدد المسجل لدى الأمم المتحدة.