- هل انتهى تواجد تنظيم الدولة في ريف حمص الشمالي حقًا؟
قبل نحو 5 أشهر من اليوم، قامت “جبهة النصرة” جناح القاعدة في بلاد الشام، بالتعاون مع فصائل عسكرية أخرى بشن حملة واسعة للقضاء على تواجد “تنظيم الدولة” بريف حمص الشمالي.
حيث اندلعت اشتباكات عنيفة شملت مناطق تلبيسة و الرستن و الزعفرانة و الدار الكبيرة و بلدات و قرى أخرى بالريف الشمالي، انتهت بمقتل العشرات من عناصر التنظيم و أسر آخرين، و فرار الكثيرين!.
جبهة النصرة و فيلق حمص و أحرار الشام، و لاحقًا جيش التوحيد، توحدوا في هذه المعركة على أمل حسم قضية الاغتيالات التي بدأت تلقى رواجًا منذ تلك الفترة في المنطقة.
- فرار “رأس التنظيم” في المنطقة في ظروف مبهمة
كان من بين الفارين من هذه الاشتباكات المدعو “رافد طه” الذي يعتبر رأس التنظيم بحسب ما أثبتته القوات المهاجِمة، إلا أنه و بعد نحو شهر من هذه المعارك تبيّن أنّ “رافد طه” متواجد عند القيادي في جيش التوحيد “منهل الضحيك” الملقب بـ “الصلوح”، و يمتنع الأخير عن تسليمه بشكل قاطع، ما تسبب بخلافات كبيرة آنذاك انتهت بشكل مبهم أو خبا نورها دون حسم المسألة نهائيًا.
- مقتل “آل زعيب”
الاشتباكات آنذاك أدت إلى مقتل “أبو ليلى زعيب” أحد أبرز مقاتلي و قادة المعارضة السورية منذ بداية الحراك المسلح في حي “باباعمرو” بحمص، و القيادي السابق في الكتيبة الخضراء التي تتبنى الفكر الجهادي السلفي، إلا أنّه و رغم نفيه و نفي المقربين منه لصلته بتنظيم الدولة أكّدت فصائل المعارضة المعنية “بتطهير” الريف الشمالي آنذاك مبايعته للتنظيم. المعارك انتهت بمقتله مع أخيه صدام زعيب، و عدد آخر من ذات العائلة بالإضافة إلى مقاتلين سابقين في صفوف كتائب ثوار و شهداء باباعمرو المعارضة للنظام.
- الوضع الأمني في الريف الشمالي من “حذِر” إلى “خطِر”
رزح ريف حمص الشمالي منذ نيسان/أبريل الماضي تحت وطأة اغتيالات طالت العديد من المسؤولين و الأفراد العسكريين و المدنيين على حد السواء، و لم تفلح حملة “التطهير” التي قامت بها فصائل معارضة في الريف لاجتثاث تواجد تنظيم الدولة الذي كان المتهم الأول و الوحيد في قضية الاغتيالات.
الاغتيالات طالت العقيد المنشق أحمد خشفة القائد العسكري في تشكيل ألوية جند بدر، و عضو هيئة علماء حمص “أكرم الحاج عيسى” و الشيخ “عبد المهمين الآغا” و “أبو وائل الحمصي” أحد القادة العسكريين في تشكيل فيلق حمص و آخرين.
- الشكوك تسوّغ المساءلة، و التحرّز الأمنيّ يسيطر
قامت الفصائل العسكرية في ريف حمص الشمالي و مع استمرار وتيرة تدهور الوضع الأمني في المنطقة، بنصب حواجز عسكرية في محاولة منها لضبط الوضع، كما أنّ كل فصيل في المنطقة عمل على استنزاف بعض مقاتلي الجبهات و زجّهم في نوبات حرس بهدف حماية المقرات و مستودعات الأسلحة و الذخائر.
الحواجز العسكرية تعاملت بحزم مع أي اشتباه، حيث أفادت تقارير إعلامية باعتقال العشرات من المقاتلين العسكريين و المدنيين على هذه الحواجز التي كانت في معظمها منفردة تتبع لفصيل دون آخر، و هذا ما تسبب بصدامات بين هذه الفصائل تمخّضت عن انعزال فيلق حمص بكل قواته عن مدينة الرستن و مناطق أخرى قبل أن يعود الهدوء مجددًا بين المتخاصمين.
جبهة النصرة بدورها كان لها دور نشِط في مداهمة خلايا تنظيم الدولة أو من يشتبه بانتمائهم إلى التنظيم، و قد تسببت هذه المداهمات بسقوط قتلى في صفوف الجبهة و مقتل العشرات من أفراد تلك الخلايا.
- موقف عبد الباسط ساروت من معمعة “تطهير” الريف من تنظيم الدولة؟
خرج مقاتلو المعارضة في الاتفاق الشهير مع قوات النظام من حمص المحاصرة إلى ريف حمص الشمالي، و قلوبهم تحمل عتبًا كبيرًا على كل فصائل المعارضة خارج نطاق الحصار، و خصوصًا إخوانهم الأقرب فصائل ريف حمص الشمالي.
عبد الباسط ساروت قائد كتيبة “شهداء البياضة” قال لحظة وصوله إلى ريف حمص الشمالي إنّه لا فرق بين مقاتل في الحصار و مقاتل في الريف، فجميعنا ضد النظام الأسدي.
ولادة فيلق حمص التي تمخضت عن اندماج “فوج الفاتحين” القادم من ريف حماه الشرقي آنذاك، و عدّة مجموعات عسكرية أخرى من ملاك كتائب حمص المحاصرة، شهدت وجود كتيبة “شهداء البياضة” بداية، لكن سرعان ما سُحب اسم “كتيبة شهداء البياضة” من إصدارات الفيلق الإعلامية ليتوصل موقع “مرآة سوريا” إلى معلومات تؤكد انسحاب الساروت بكتيبته من هذا التشكيل بعد أن أبدى موافقة على الانضمام إلى صفوفه.
- أين الساروت؟
قلّ حضور “الساروت” حارس منتخب سوريا السابق للشباب و الملقب بـ “حارس الثورة” إعلاميًا، بعد أن كانت تضج صفحات المعارضة بأغانيه الثورية المناهضة لنظام الأسد، منذ وصوله إلى ريف حمص الشمالي، إلا من مقطع مصوّر يهتف فيه في احتفالية لفيلق حمص، و صورة تداولها ناشطون آنذاك تقول إنه برفقة عناصر من تنظيم الدولة دون أي تأكيدات على ذلك.
منذ نحو شهرين و بعد الكثير من الكلام الذي تم تداوله في ندوات و مواقع ثورية معارضة حول مبايعة الساروت لتنظيم الدولة، أكّد الساروت عبر مقطع مصوّر أنّ كتيبته ليس لها صلة أبدًا بتنظيم الدولة، و أنها لا تتبع لأي تشكيل أو فصيل أو جهة سواء كانت عسكرية أو سياسية، و أنها لا تتلق دعمًا من أحد، كما أكّد أنّه سيبقى يقاتل نظام الأسد فقط.
اختار الساروت المناطق الشرقية من ريف حمص الشمالي لتكون أرضًا لنفوذ كتيبته، و استلم جبهاتها كاملة، في مناطق عزّ الدين و تلول الحمر و طريق سلمية، و التزم الحياد التام في معارك فصائل المعارضة مع تنظيم الدولة، و هذا ما أكّدته جبهة النصرة في عدّة مناسبات.
- بلبلة “هل الساروت داعشيًا؟” و دور المحكمة الشرعية العليا
منذ أيام شنّت جبهة النصرة هجومًا علنيًا على مناطق تواجد كتيبة “شهداء البياضة” شرق ريف حمص الشمالي، واندلعت اشتباكات بينها و بين عناصر الكتيبة، أفضت حتى الآن إلى وقوع قتلى و جرحى، و أسر العديد من مقاتلي الكتيبة بحسب أحد منظري جبهة النصرة على موقع التغريد المصغّر “تويتر”.
هجوم النصرة هذا جاء بعد تأكيدات حصلت عليها – بحسب ذات المصدر- على مبايعة الساروت لتنظيم الدولة، و تواجده في مناطق يمكن أن تسبب خرقًا أمنيًا للريف الشمالي، حيث أنّ طريق سلمية و المناطق الشرقية لريف حمص الشمالي على تماس مع مناطق سيطرة تنظيم الدولة في ريف حماه.
المحكمة الشرعية العليا التي وقع على ميثاقها كبرى كتائب ريف حمص الشمالي (فيلق حمص- جيش التوحيد – جبهة النصرة- أحرار الشام و غيرها) أصدرت بيانًا أكّدت فيه مبايعة “الساروت” لتنظيم الدولة و إيوائه لعناصر يتبعون للتنظيم، و طالبته بإخلاء مقرات كتيبته من المنطقة الشرقية، و تعهدّت بسد النقص على جبهاتها، ريثما يتم البتّ بالمسألة شرعيًا.
و لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ المنطقة الشرقية تخضع لنفوذ عشائري يدعم الساروت.
النصرة التي قالت عبر منظّرها المعنيّ في حمص إنها وجدت أدوات اغتيالات و عبوات ناسفة و لاصقة في مقرات الساروت التي داهمتها خلال اليومين الماضيين، يبدو أنّها عازمة هذه المرّة على اجتثاث تواجد هذه الكتيبة، و قد سيطرت على جميع مقراتها تقريبًا وسط مقاومة من مقاتلي الساروت الذين اتخذوا موضع الدفاع عن النفس، وسط دعم واضح من المحكمة الشرعية العليا لعمليات الجبهة.