ألعاب “دي مستورا” لتأهيل “بشار الأسد”، رؤية فردية أم مهمة أممية؟

صرّح ستيفان دي ميستورا الموفد الأممي الخاص بالأزمة السورية قبل عدة أيام أن “الأسد جزء من حل الأزمة السورية”، و هذا ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل المعارضين السوريين بل حتى المتابعين للشأن السوري من الغربيين.
تصريح دي ميستورا هذا جاء تزامنًا مع سقوط أكثر من 250 ضحية من المدنيين في غوطة دمشق في حملة عسكرية شنها “الجيش العربي السوري” معتمدًا فيها على سلاح الجو الذي وصلت غاراته اليومية على دوما إلى أكثر من 60 غارة، مستهدفًا التجمعات المدنية السكنية و الأسواق و النقاط الطبية، بحسب ناشطين.
و مع الرفض الكبير الذي لاقته تصريحات دي ميستورا المختلفة، حاول الأخير تبرير ما أظهرته هذه التصريحات من تواطؤ مبهم مع نظام الأسد و انحيازٍ لكفته في تعامله مع الأزمة السورية، من خلال المتحدثة باسمه جولييت توما التي قالت في بيانٍ لها عقب تصريحاته: ” إن اتفاق جنيف 2012 هو نقطة الاستناد الأساسية التي يعمل من خلالها دي ميستورا للوصول إلى حل طويل الأمد للأزمة السورية، و أنه يتوجب على الرئيس السوري و حكومته المساهمةَ في الوصول إلى حل يضع حدًا للعنف والمأساة الإنسانية في سوريا”.
محاولة أخرى من دي ميستورا لتبرير تصريحاته هذه، قام فيها على استحياء بالاتصال برئيس الإئتلاف السوري المعارض خالد الخوجة مؤكدًا له أن ما يعنيه بأن الأسد جزء من الحل هو “جر الأسد إلى عملية سياسية و توريطه بحل سياسي للأزمة”، هذه الخطوة التي وصفها الكاتب و الباحث السوري عمر كوش بأنها “محاولة للتذاكي مكشوفة وسمجة، وتضمر اللعب على وتر استجرار رأس النظام إلى حل سياسي، مقابل إغرائه وتأكيد دوره في الحل، مما يعني بقاءه في السلطة التي يشن حربا من أجلها، بل باع البلد لنظام الملالي الإيراني ولمليشيات حزب الله مقابل الدفاع عنه، ومحاربة السوريين بغية إخضاعهم لنظام الاستبداد والقهر واستمرار بقاء الأسد على رأسه”.
دي ميستورا الذي بدأ بعثته إلى سوريا بمبادرة تتضمن إيقاف القتال في 15 منطقة مشتعلة، اختصرها لاحقًا إلى منطقة واحدة فقط هي جبهات حلب – بطلب و تحديد من الأسد-، و هذا ما طرح تساؤلات عديدة لدى المراقبين حول هدف هذه البعثة، خصوصًا بعد تصريحات متكررة من دي ميستورا يغازل و يمدح فيها نظام الأسد الذي قال عنه أنه “إيجابيّ، و يرحب بالخطة الدولية”، و يتغاضى عن النيّة المكشوفة للأسد الذي يخطط لبدء عملية عسكرية جديدة واسعة في حلب، بعد أن استمات قبل أيام لتحقيق تقدم على الأرض في ريف حلب و مني بهزيمة كبيرة أفقدته أكثر من 200 قتيل وفق ما ذكر ناشطون على الأرض، و من ثم تسريع عمل دي ميستورا لتجميد القتال و الحفاظ على الخطوط الجديدة التي يهدف إلى السيطرة عليها في حلب، و بالتالي إراحة قواته و الميليشيات الإيرانية و ميليشيا حزب الله التي تقاتل إلى جانبه من جبهة تستهلك الكثير، و توجيه كل هذه القوات إلى منطقة أخرى يحسم فيها الأمر العسكري لصالحه على مبدأ الاستفراد بكل منطقة على حدة و ضخ قوّة أكبر من المعتاد فيها لتحقيق ذلك، و هذا ما يوفّره تجميد القتال في حلب الذي يسعى إليه دي ميستورا.
و الناظر إلى سير خطة دي ميستورا لا يرى أي ثبات فيها، فكل الخطة بين يدي النظام السوري، يعدّلها كما يشاء، بل إن دي ميستورا نفسه الذي يقول باستمرار إن اتفاق جينيف 2012 هو ركيزة الحل؛ تجاهل بنود هذا الاتفاق و جعل هدفه من بعثته محصورًا بالوضع الإنساني و إدخال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، و ذلك يتضح من خلال تصريحاته التي قال في أحدها: “إن المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية”.
و كما استغل الأسد انشغال العالم بتنظيم الدولة و أعماله في سورية و العراق و قام بمجازر مختلفة من دوما إلى كفربطنا إلى مخيم اليرموك إلى الوعر إلى حلب، استغل دي ميستورا هذا أيضًا في نشر أفكاره التي تعكس بشكل أو بآخر “انخفاض نبرة الخطابات العالمية حول رفض الأسد في أي سلطة في سورية”، و أخذ يبث بياناته و تقاريره المادحة “بإيجابية حكومة الأسد” و “عشوائية المعارضة السورية العسكرية و السياسية”.
خطوة أخرى قام بها دي ميستورا لتسهيل أي طريق يقحم فيه الأسد في “حل الأزمة السورية”، فمباركته لاجتماع موسكو (26-29 كانون ثاني الماضي) ما كانت لولا بنود و ظروف هذا الاجتماع “المسرحية” التي لا تصب إلا في مصلحة النظام و تأكيد شرعيته، حيث استقدم الساسة الروس إليه أشخاصًا محسوبين على المعارضة السورية في حين أنهم أقرب إلى النظام من المعارضة، و لقبوهم “بالمعارضين المعتدلين”، و جميع نتائج هذا الاجتماع أكدت على شرعية الأسد في الحكم و على ضرورة استجدائه ليقدم الحلول للأزمة السورية.
أسلوب عمل و تصريحات دي ميستورا ترسم إشارات استفهام كبيرة، فلكونه موفدًا أمميًا فإنه يعكس رأي مؤسسته، ولا يتصرف او يدلي بتصريحاته كناشط أو حقوقي أو كرجل سياسي عادي، خصوصًا مع توجيه جميع الدول اهتمامها إلى محاربة تنظيم الدولة بما فيها الدول العربية التي أبدت مؤخرًا مواقف داعمة للأسد خصوصًا من خلال استعدادها لإعادة فتح السفارات كتونس مثلًا.

أضف تعليق