عرسال مأساة لجوء متجددة وواقع إغاثي أليم

تكررت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على عمال الإغاثة والجمعيات الإغاثية المختلفة في عرسال، من قبل مجموعات مختلفة من اللاجئين الذين يدّعون حرصهم على مصالح الناس، ووصلت في بعض الأحيان إلى تهديدات بالقتل والاختطاف. مما دفع الكثير من الناشطين وعمال الإغاثة لترك العمل في هذا المجال وفي بعض الحالات لوقف عمل بعض الجمعيات بالكامل، التي آثرت إقفال فروعها في عرسال ونقل نشاطها إلى مناطق أخرى من لبنان. مما أدى لحصول نقص كبير في حجم المعونات المقدمة للاجئين الذين يعانون الأمرين، وخاصة في الفترة الأخيرة بعد أن تم تخفيض قيمة المعونات الغذائية المقدمة من المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وإيقاف معوناتها لعدد كبير من العائلات الأخرى.
كما وأنه من المعلوم إن النظام الداخلي لجميع المنظمات الدولية العاملة في لبنان يمنع موظفيها من دخول مدينة عرسال بحجة أنها مصنفة من المناطق الخطرة. مما أدى إلى اعتماد العمل الإغاثي في عرسال على الجمعيات الخيرية الإسلامية والأهلية والهبات الشخصية فقط. فلم تستطع الجمعيات الخيرية بكافة توجهاتها وتبعيتها العمل على تخليص اللاجئين من معاناتهم المتمثلة بنقص الغذاء والحاجات الأولية للمعيشة بشكل يسد رمق الجميع أو على الأقل تحقيق المساواة في توزيع الحصص على الجميع. حيث تقوم بعض الجمعيات بتخصيص عدد معين ومحدود من اللاجئين أو مخيم بعينه دون غيره وإغداق المعونات عليه على مرأى اللاجئين الآخرين المحتاجين لأبسط مقومات المعيشة. بالإضافة إلى الحصار الدائم التي تمارسه الدولة اللبنانية وعصابات حزب الله على منطقة عرسال، ومنعها في كثير من الأحيان إدخال المعونات الغذائية إلى هناك بحجة أنها تذهب لصالح المسلحين في الجرود. فنقص عدد الجمعيات وعدم كفايتها لكافة المخيمات وعدم وجود عدالة في عمليات التوزيع سبب حالة من السخط لدى الكثير من اللاجئين أدت في النهاية لحدوث حالات الاعتداء تلك.
وآخر هذه الاعتداءات كان الاستيلاء على سيارة لتوزيع وجبات إفطار لأحد المخيمات تابعة لجمعية البنيان المرصوص في عرسال منذ يومين. حيث أقدم أحد اللاجئين من مخيم مجاور بأخذ السيارة وحجزها بحجة أنهم لا يقدمون المساعدة لمخيمهم. وتم استرداد السيارة في اليوم التالي بعد تدخل بعض الشخصيات لحل المشكلة.
وأفاد مراسل مرآة سوريا في عرسال أن الوضع الإغاثي للاجئين السوريين في عرسال سيء جدا. وأن اللاجئين في بعض المخيمات لم يتلقوا أي معونات منذ أكثر من شهرين. وبسبب البطالة وعدم توفر فرص العمل وعدم وجود مصادر للدخل، فإن الكثير من عائلات اللاجئين لا يملكون قوت يومهم وفي بعض الحالات لا تستطيع بعض العائلات تأمين ثمن الخبز. كما أن حادثة الاعتداء على طاقم جمعية البنيان المرصوص هي الثانية من نوعها خلال فترة قصيرة.
وعند سؤال أبو محمد وهو لاجئ سوري في أحد المخيمات عن سبب الاعتداء المتكرر على جمعية البنيان المرصوص أجاب ” من الطبيعي أن يحدث هذا الاعتداء, ففي حين أن نصف سكان مخيمنا لا يملكون ثمن الخبز قامت جمعية البنيان المرصوص بتوزيع برادات ومراوح هوائية على الخيام التابعة لهم. ذلك عدا المساعدات الغذائية المتوفرة دائما لهم. فهذا سيولد الحقد والسخط ضد أعضاء وعاملي هذه الجمعية. فهي ترفض تقديم المساعدات سوى لمخيمها وتوزع الكماليات بينما المخيمات الأخرى تشكوا من نقص الطعام”.
وعن الوضع الإغاثي في رمضان قال أحد اللاجئين ” نحن الآن في عرسال منتشرون في ما يقارب 60 مخيما, ماعدا اللاجئين الذين يسكنون في بيوت. ومن بين هذه المخيمات حوالي 10 مخيمات فقط تحصل على بعض المساعدات وهي المخيمات السبعة التابعة لاتحاد الجمعيات الإغاثية ومخيم البنيان المرصوص ومخيم خالد رعد. وباقي ما تبقى تعاني حاليا من جوع شديد بكل معنى الكلمة”.
وعند سؤاله عن الاعتداءات التي أدت لوقف عمل بعض الجمعيات الأخرى أجاب ” نحن نعلم أن الوضع والجوع الشديد يدفع الكثير من اللاجئين لعمل أكثر من ذلك, ولكن الاعتداءات غالبا تتم من بعض الشخصيات التي تريد أن تبرز نفسها على أنها مدافعة عن المظلومين وأنها تستحق أن تكون من زعامات الثورة وقادات الحراك المدني.” وعند سؤاله لماذا لا تضعون حدا لهؤلاء أجاب “أغلبهم وليس جميعهم زعران. يهددون الجميع بالقتل والخطف ويعتدون على الجميع بحجة أنهم ينتمون لتنظيم الدولة أو لجبهة النصرة ولا يمكن لأحد إيقافهم.”
وقال لاجئ آخر “يستحقون ذلك لا وبل يستحقون أكثر فهم يرفضون توحيد العمل الإغاثي. نحن طالما طالبنا جميع الجمعيات بتوحيد العمل أو على الأقل بتوحيد جداول وذاتيات الإغاثة، بحيث يصبح التوزيع عادلا. ولكنهم رفضوا فلكل جمعية انتماء وأجندة تعمل عليها وترفض التعاون مع الأخرى، وذلك لأهداف سياسية أو دينية وحتى مناطقية. كما أن عدم وجود مجلس محلي فعال الآن وعدم اهتمام الائتلاف الوطني وحكومته المؤقتة بدعم المجلس الموجود حاليا سبب هذا الخلل الكبير في العمل الإغاثي. “وأضاف ” أنا أؤكد لكم بأنهم سيتعرضون لمزيد من الاعتداءات طالما استمروا بهذا النهج”.
وعند سؤال أحد العاملين بالجمعيات الخيرية أجاب ” نعلم أننا متهمون بالسرقة والاختلاس, وغالبا ما يتم الاعتداء علينا بالضرب أو السب ونتعرض للكثير من التهديدات بالخطف والقتل ولكن لا نستطيع فعل شيء للاجئين. الإمكانيات محدودة والمخصصات التي ترسل تكفي فقط للمخيم الذي نرعاه وأغلب المخيمات الأخرى لديها من يرعاها. فلا نستطيع تقديم أي مساعدات لمخيمات أخرى والجميع يعلم ذلك.” وأضاف ” نحن الآن على الأقل نسد احتياجات مخيم واحد وهذا جيد. وعلى جمعيات وداعمين آخرين دعم مخيمات أخرى. هذه إمكانياتنا ولا نستطيع تجاوزها.”

أضف تعليق