لا مجال للمقارنة بين الرحلتين من حيث المسافة، فالوصول إلى ألمانيا يحتاج لقطع حوالي سبع دول، بينما الوصول إلى زحلة يحتاج لقطع أقل من سبع مدن وقرى لبنانية.
ولكن وجه الشبه بين كلتا الرحلتين يكمن في المخاطرة الكبيرة فلا ضامن للبقاء على قيد الحياة أو عدم الاعتقال أو التعرض للنهب والسلب على الطرقات.
وفي كلا الرحلتين، يكون اللاجئ السوري هو الضحيّة!، حيث يتعرض للابتزاز والسمسرة من قبل المهربين على الطريق إلى ألمانيا، أو من قبل سماسرة ضباط المخابرات اللبنانية على الطريق إلى “زحلة”، و بدون ضمانات في كلا الحالتين بالوصول إلى آخر خط الرحلة المنشود ألمانيا كانت أم زحلة.
أما من ناحية التكاليف، فقد تحتاج الرحلة إلى ألمانيا نحو 2500 دولار لعبور تلك الدول السبع، ولكن في لبنان، عبور حاجز مخابرات الجيش في بلدة عرسال قد يكلف وحده 250 دولار أي قطع مسافة لا تتجاوز خمسة كيلومترات.
فبمقارنة طول المسافات المقطوعة وكمية الدولارات المدفوعة تكون تكلفة رحلة عرسال زحلة أكبر بكثير من تكاليف رحلة الهجرة إلى ألمانيا.
ومبررات كلتا الرحلتين واحدة، ضيق ذات الحال وشظف العيش ومرارة اللجوء، فلكل مبرراته، لكن المهاجر إلى ألمانيا يبحث عن العيش الكريم والحياة المستقرة والمعاملة الإنسانية والراتب والسكن المؤمنان له بلحظة وصوله، وإن كانت في الحد الأدنى مقارنة بسكان البلد الأصليين.
بينما المهاجر من عرسال باتجاه الداخل اللبناني يبدأ بلحظة وصوله جولة أخرى من الشقاء والتعب والسعي لتأمين لقمة عيش أطفاله في ظل استمرار ظروف اللجوء السيئة والإذلال والقهر من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية.
فلا مسكن ولا كرامة ولا معاملة إنسانية يرجوها، إنّما جل ما يتمناه الحصول على عمل يؤمن له لقيمات تسد جوع أطفاله، وتؤمن لهم الحد الأدنى من مقومات المعيشة من مأكل ومسكن، في ظروف قد لا تكون قريبة حتى لما يسمى بالإنسانية.
و إذا قارنا حالات التعذيب التي تعرض لها بعض المهاجرين إلى ألمانيا، التي لا تكاد تذكر مقارنة بالعدد الهائل من المهاجرين الذين يخوضون غمار هذه الرحلة يوميًا، والتي لا تتجاوز عدة صفعات يتلقونها من عناصر الشرطة الهنغارية لإجبارهم على البصم على أوراق اللجوء هناك، وبين ما يتعرض له كل من يمر على حاجز مخابرات الجيش اللبناني في منطقة عرسال فالفرق أيضا شاسع.
فتخيل أن يرسم أحد عناصر الحواجز اللبنانية بابًا على جدار من الإسمنت ويطلب منك الدخول منه وإلا فسيتم اعتقالك وترحيلك إلى سجن روميّة سيء السمعة في لبنان بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب، ناهيك عن كم الضربات و “الرفسات” والنكزات المستمرة بأخمص البندقية التي قد تتلقاها وأنت تحاول الدخول من ذلك الباب، من الساعة السادسة صباحًا وحتى الرابعة مساءًا، ثم يطلب منك العودة بعدها من حيث أتيت إلى داخل معتقل عرسال الكبير.
هذا بالضبط ما حدث مع “أبو محمود القصيراوي” عند محاولته “العبور” من عرسال إلى الداخل اللبناني بحثًا عن عمل هناك.
مشاهد الضرب المبرح والشتائم والإذلال وتعريض السوريين لهجمات الكلاب البوليسية الشرسة على ذلك الحاجز باتت مألوفة و معروفة لدى الجميع.
ومما يذكر أيضا ما تعرض له مراسل “مرآة سوريا” في عرسال أثناء رحلته من عرسال إلى “زحلة”، حيث اضطر لدفع مبلغ وقدره 250 دولار مقابل السماح له بالعبور ولكن ذلك لم يعفيه من التحقيق المفصل الذي يتعرض له كل من يمر من هذا الحاجز وتفتيش هاتفه المحمول بدقة بحثًا عن أي صورة أو رسالة نصية أو أي رقم هاتف أو اسم مشبوه على ذاكرة الجهاز.
وبحسب ما قاله مراسلنا “إن كنت تريد العبور لا بد أن تدفع، فالذهاب إلى الحاجز بدون دفع المال لسماسرة ضباط المخابرات اللبنانية من سائقي سيارات الأجرة وباصات النقل الجماعي يعتبر مخاطرة كبيرة جدًا”.
فاحتمالات الاعتقال والتعرض للضرب المبرح تتجاوز 95% إذا ما تعلق الأمر باللاجئين السوريين.
وتتراوح تسعيرة العبور بين 100-250 دولار وذلك بحسب يوم العبور والضابط المناوب على الحاجز فلكل ضابط تسعيرة مختلفة، ولا يضمن السمسار عبور من يدفع في حال كان مطلوبا لأي جهة أمنية لبنانية.
هذا حال حاجز واحد فما بال القراء بوجود ستة حواجز على الطريق الواصل بين عرسال وزحلة!، وعلى كل حاجز منها يتعرض السوريون لأسوأ معاملة من الممكن تخيلها من عناصر الجيش اللبناني و أجهزة مخابراته و عناصر ميليشيا حزب الله المزروعة في تلك الحواجز!.