شهد العالم كله مراسم تسليم دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وجرت ضمن تلك المراسم تلاوة من الإنجيل قام بها رجال دين مسيحيون ورغم ذلك لم نشهد انتقادات لما جرى باعتباره خرقاً للعلمانية في أمريكا، بل وذهب الرئيس الأمريكي ترامب في اليوم التالي للمشاركة في صلاة في إحدى الكنائس.
ما يثير الاستغراب هو مواقف بعض الناشطين السوريين الذي يدعون العلمانية – بتشديد الدال – أو يدعون إليها، فتراهم يقيمون الدنيا ولا يقعدوها على حالة ربما تكون فردية يصطادونها وسط زحمة الأحداث ليوجهوا النقد الشديد لها بحجة تناقضها مع العلمانية ويعملون من تلك الحادثة قضية رأي عام يعملون لتعميمها والدخول في نقاشات وجدالات حولها لا تكاد تنتهي حتى تتكرر مع حالة جديدة، لكن ما يزيد الاستغراب في مواقفهم هو صمتهم المطبق حيال حالات انتهاك واضحة وصريحة للعلمانية دون ظهور مواقف حادة ضدها، ويصبح الموضوع وكأنه حالة انتقائية لا مبدئية مما يفقد دعاة العلمانية مصداقيتهم في مواقف وحالات كثيرة.
من هنا جاء الاستهجان الشديد نشر بعض الناشطين صورة لمحمد علوش رئيس وفد المعارضة لمفاوضات أستانة وهو يصلي برفقة بعض أعضاء الوفد، ومن ثم القيام بالتعليق والتهكم على الصورة والتحول نحو وصف علوش والوفد المفاوض بالتشدد وعدم الاهلية لقيادة المفاوضات.
سبب الاستهجان يأتي من توقيت نشر الصورة ومحاولة توجيه الاهتمام إليها، حيث جاء ذلك في ذروة اهتمام الرأي العام بانطلاق مفاوضات الأستانة وانتظار ما قد ينتج عنها، يضاف لذلك أن التقاط أي هفوة أو خطأ على وفد المعارضة في هذا التوقيت يصب في خانة النظام، فكيف إذا كان ذلك شيئاً غير مهم يتم العمل على تضخيم الاهتمام فيه لغايات لا تفيد الثورة السورية، وربما بسبب ذلك فقدت صورة صلاة علوش ورفاقه بريقها ولم تلقى الترويج الكبير لها كما العادة، مع وجود بعض الانتقادات لعلوش انطلقت من أن صورة الصلاة هي للاستعراض وتمثل حالة رياء لكن الواقع ينفي ذلك فالرجل يصلي بانتظام مثله معظم السوريين.
يلاحظ تركيز العلمانيين بشكل كبير على توجيه انتقاداتهم للإسلام السياسي السني والحركات والمنظمات الجهادية وخاصة تلك المرتبطة بالقاعدة ولا ينجو من ذلك حتى الحركات الصوفية، في المقابل نرى تجنبهم الحديث عن الأصوليات التي يضج بها العالم وكأنها مقبولة وتدخل ضمن العلمانية التي يدعون إليها، وفي سورية لا يتحدثون عن طائفية النظام أو الميليشيات الشيعية بحجة عدم الانجرار للمستنقع الطائفي بينما يبادرون عند أي حادثة في الطرف الأخر السني للحديث عن مخاوف طائفية تهدد الأقليات الدينية والعرقية مع أنه عانى أكثر من غيره من ويلات الحرب ضده ومن كل الأطراف.
لا شك أن جميع التيارات الفكرية والسياسية لها الحق في التعبير واتخاذ المواقف التي تناسبها وهو حق طبيعي خاصة بعد اندلاع الثورة، لكن المطلوب بالمقابل التحلي بالمصداقية والشفافية وعدم اتباع سياسة المعايير المزدوجة أو التحول نحو العمل الكيدي ضد طائفة أو جهة وطنية أخرى.
يخطر في البال سؤال افتراضي طريف يمكن توجيهه للعلمانيين قدس الله سرهم…ماذا سيكون موقفكم لو حضر ترامب للأستانة وقام بالصلاة..؟ هل كنتم تمدحون إيمانه وأخلاقه الكريمة ؟ أم تتهمونه بالتعصب والجهل كما فعلتم مع علوش ؟…بذمتكم.. ؟؟؟ ماذا كنتم ستفعلون ؟؟؟