أخيرًا.. روسيا تقطع الباب لتركيا

من اللافت وللمرة الأولى أن نسمع تصريحاً من المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن فيه التنسيق مع روسيا لتجنب الصدام مع قوات النظام في محيط منطقة الباب التي تقترب منها القوات التركية وقوات النظام بشكل متزامن لانتزاع السيطرة عليها من تنظيم الدولة، وهذا التصريح العلني قد يخفي في كواليسه ما تم التكهن به سابقاً من وجود اتصالات بين ضباط أتراك ومن النظام برعاية روسية وقد يؤشر لبداية مرحلة جديدة في العلاقة بينهما انطلاقاً من معركة الباب. 

تأخرت القوات التركية كثيراً قبل أن تتدخل بشكل عسكري مباشر في سورية، وهي لم تبدأ إلا بعد أن حصلت على الموافقة الروسية بعد انجاز اتفاق غير معلن بينهما يتعلق بكافة تفاصيل الملف السوري، لكن تأخر القوات التركية عدة أشهر دون أن تتمكن من حسم معركة الباب لا يمكن قبوله تحت ذريعة أهمية مدينة الباب الاستراتيجية أو تحصن دفاعي كبير لقوات تنظيم الدولة فيها، لأن ميزان القوى يصب بلا شك في صالح القوات التركية وقوات الجيش الحر المنضوية تحت لواءها، ومن الواضح أن تقدمها البطيء ليس بسبب صعوبات عسكرية أو ضعف الدعم اللوجيستي ومعروف أن تركيا دولة قوية عسكرياً، لكن الحذر الدائم في تصريحات المسؤولين الأتراك حول سير معركة الباب وتراجعهم عدة مرات بعد الإعلان عن تحرير الباب يظهر أن الجانب السياسي هو المؤثر الأساسي على سير المعارك ويأتي الجانب العسكري في المرتبة الثانية. 

أعلنت تركيا منذ البداية أن تدخلها العسكري في سورية جاء لمحاربة التنظيمات الإرهابية من الميليشيات الكردية وتنظيم الدولة، وهي استطاعت تحقيق انجاز هام بالفعل للأمن القومي التركي عبر قطع التواصل الجغرافي للكانتون الكردي المتوقع في شمال سورية وقدمت الكثير من التنازلات لروسيا للوصول لهذا الهدف مما أثر على مواقف تركيا بشكل واضح وجعلها تتغير كلياً باتجاه انجاز تفاهمات مع روسيا في تغير واضح للمواقف التركية التي كانت مؤيدة للثورة السورية.

 

بعد تدمير روسيا شرقي حلب وإفراغها من سكانها تقدمت قوات النظام أكثر باتجاه الشمال على حساب تراجع قوات المعارضة التي باتت في موقف ضعيف بعد الخلافات التي عصفت بينها والتي وصلت لحد الاقتتال وإعادة الاصطفاف والتموضع من جديد في معسكرين متقابلين بناء على ما أفرزه اجتماع أستانة، وبرز احتمال ميداني جديد وخطير للمرة الأولى يتمثل في احتمال حصول صدام بين قوات النظام والقوات التركية والجيش الحر التي تعمل تحت إمرته، ولا يمكن لأي من الطرفين التفكير في حسم معركة الباب قبل معرفة مصير واحتمالات المواجهة بينهما ولن يسمح الروس بحصول ذلك دون أن يقرروا هم مستقبل المعارك التالية في سورية. 

يأتي التصريح التركي الأخير ليظهر تراجعاً جديداً في المواقف التركية التي باتت لا ترى بأساً في وجود قريب لقوات النظام منها أو حتى التعاون والتنسيق معها في قتال تنظيم الدولة، ويبدو أن الروس انتظروا طويلاً حتى استطاعوا الوصول لهذا التغير الأساسي في الموقف التركي ومن خلال ذلك سيتم إعطاء الأتراك أولوية تحرير الباب من أجل الانخراط في معارك جديدة قادمة لكنها ستتم وفق إيقاعات جديدة متسارعة هذه المرة بعد تحويل التفاهمات الروسية التركية الغير معلنة إلى واقع ومن خلالها سيتم تحاشي الصدام بين النظام وتركيا أولاً ومن ثم تسريب تعاون خفي بينهما يتطور نحو تعاون علني.  

كانت الدولة العثمانية إمبراطورية قوية تقدم الاقطاعات للأخرين، لكنها وصلت لمرحلة من الضعف في الملف السوري بحيث أنها باتت تنتظر ما تقدمه لها روسيا من مكاسب واقطاعات. في النتيجة حسم معركة الباب سيفتح الطريق أمام بدء جدي لمعركة الرقة القادمة