(حسان الشويني – ساسة بوست) لا أعرف دولة ينخر الفساد مؤسساتها تقدمت خطوة واحدة، وبما أن وطننا العربي جمع الآفات جميعها فكان من الضروري أن يتخذ الفساد له مكانة رفيعة.
للأسف وطننا العربي والإسلامي يفتك به الفساد، ولم يترك هذا الداء مجالا إلا واقتحمه، طبعا لولا البيئة الحاضنة له لما كان له وجود أصلا، للأسف الشعار الذي يحمله كل مواطن عربي «نريد حقنا من الفساد»، ولهذا فمن الطبيعي أن تصبح دول يعيش في كنفها مواطنين كهؤلاء في ذيل الأمم.
المواطن دائمًا هو ركيزة الدولة وطالما أنه راضٍ أو متحالف مع الفاسدين سواء مسؤولين أو موظفين أو حكام فستبقى الدولة في العتمة، صحيح أن القسط الأكبر من الرشوة والاختلاسات والتهرب الضريبي والتوظيف بالمحسوبية يقع على مسؤولي وسياسيي تلك الدولة، ولكن الحق يقال شعوبنا أُركست في الفساد وهي راضية عن ذلك الآن بشكل أو بآخر.
لكن هناك مرضًا عضالًا تعاني منه مناطقنا غير المحظوظة، وهذا المرض لا يستثني أي بلد من المغرب إلى البحرين، هذا المرض هو عبارة عن فئة من المواطنين العاديين الذين يتصدون لكل معارض أو منتقد ويعتبروه عدوا مسخرا من قبل جهة ما، رغم أن ذلك المعارض لا يريد إلا الخير للبلد، نجد مثلا أن المغربي يتهم معارض المغرب أنه عميل للجزائر، والجزائري يتهم المعارض جزائري أنه عميل للمغرب، في السعودية أيضًا أي صوت معارض إما عميل لإيران أو لقطر كما حدث مؤخرا، كأنه محكوم علينا من طرف الملائكة لا يحتملون الانتقاد!
وقد تجده فقيرًا معدمًا وحقوقه منهوبة لكنه مع ذلك يدافع عن جلاده، ولا غرو أن الجهل له دور أساسي فيما وصلنا إليه، فحتى الدول العربية الغنية ليست لها سياسة بناءة، فهي تعتمد على شراء السلم الاجتماعي، صحيح أن المدخول السنوي جد محترم ولكن هذا لا يساوي شيئا مقارنة مع ما يتم تهريبه إلى البنوك السويسرية، الحق يقال إن الشعوب تبني دولها بالعمل والمثابرة والتدريس الإجباري للمواطنين، حتى يتم بناء شعب واع ولا أقول وطن لأن شعبًا واعيًا يساوي وطنًا راقيًا، لا شك أن ما أسس على باطل فهو زائل ولو بعد حين!
لقد علمتنا التجارب أننا لا نحتاج للبترول والغاز لنعيش برخاء، نحن نحتاج فقط أيادٍ نقية، ومسؤولين أكفاء لا يسرقون أموال الشعوب، لا بأس أن نأخذ دولا كنماذج للتقدم والازدهار دون الحاجة للثروات الطبيعية، دولة سنغافورة من أرقى الدول عالميًا ومن يحمل جواز سفر سنغافوري كمن يحمل جواز سفر ألماني، كانت مجرد مستعمرة بريطانية متخلفة، وتبرأت منها ماليزيا بعد انسحاب المستعمِر البريطاني، لكن زعيمهم الراحل جعل الشعب يدرس بأي طريقة، وجلب الاستثمارات الخارجية، وها هي الآن دولة متقدمة دون حاجة للثروات الطبيعية، لكن أهم شيء هو انعدام الفساد في هذه الدولة، وتركيا أيضًا كيف كانت مدنها مليئة بالقمامة، لكن مجيء أردوغان ونقاء يده من الفساد وعمله الجاد جعل من تركيا بلدا راقيا.
هناك وجه من أوجه الفساد أيضا، عوض أن ينشغل الحاكم بالسياسة وتحسين اقتصاد مملكته، تراه منشغلا بالجمع بين السلط، فتجده يحكم قبضته على الاقتصاد بشركاته السرية والعلنية، طبعا لا يمكن لبلد هو في الأساس محسوب كضيعة ينفرد بها الحاكم وحاشيته أن ننتظر منه خيرا، لكن شعوبًا راضية بحالة كهذه وليست لها الشجاعة على المطالبة بعدم الجمع بين السلطة والثروة خليقة أن تشرب من كأس المُرِّ دِهاقها!
قال ابن خلدون: إذا تعاطى الحاكم التجارة فسدت السياسة وفسدت التجارة.
عندما ثار السود في أمريكا لم يثر الجميع، بل هناك من كان راضيًا عما يحدث له، في حين كان الأحرار يدفعون الثمن، وعندما نجحت ثورتهم استفاد جميع السود! فمتى يثور العبيد؟
فلله در القائل: ومن يتهيب صعود الجبال … يعش أبد الدهر بين الحفر